الثورة – غصون سليمان:
لم يعد خافياً على أحد، كيف أضحت وسائل الإعلام في أيامنا هذه ذات تأثير كبير في تكوين القيم لدى الصغار والكبار على السواء، وضغط معظم الأحيان على وسائل التربية المدرسية والأسرية، ووصفت بعدة اتجاهات منها السلبي وهو الأكثر رواجاً، ومنها الإيجابي، وتمثل القيم درجة في سلم المثل المرغوبة، أو في سلم غير المرغوب فيها اجتماعياً.
وحسب رأي الدكتورة أمل دكاك- قسم علم الاجتماع، جامعة دمشق، فإن المثل هي القيم التربوية وتكمن أهميتها بمدى تأثيرها بالأفراد، وتصبح كالدوافع والميول والاتجاهات موجهة لسلوك الأفراد والمجتمعات، ويغدو السلوك السيئ كالسلوك الجيد يخضع لقيم تصنفه على أساس سلبي أو إيجابي وفق ما يراه أفراد المجتمع سلباً ملبياً لحاجاتهم ومكتفياً مع محيطهم.
يبدأ الفرد باكتساب خبراته في مراحل طفولته المبكرة في الأسرة والحي والمدرسة، وتمتد حتى انتهائه من الدراسة ومن ثم الخروج إلى العمل، وتترافق هذه الخبرات بتبلور القيم، إلا أنها غالباً ما تكون مؤقتة ومرحلية ومواكبة لمرحلة من حياة الفرد، ويبقى العامل الأثر الأكبر في تكوين هذه القيم وبلورتها اليوم متمثلاً بوسائل الإعلام وخصوصاً المرئي منها، إذ رافقتنا ليومنا هذا بشكل دائم.
متجددة ومواكبة
وتتصف هذه الوسائل حسب تأكيد الدكتورة دكاك بأنها متجددة ومتكررة ومواكبة لمتطلبات الحياة وتطورها، فهي كالأسرة والمعلم تستخدم التوجيه المباشر وغير المباشر، وكالمدرسة تقدم المادة العلمية والتربوية والأدبية والفني، عداك عن أنها كالمجتمع تصور هموم الحياة وحلاوتها بصورة أسهل وأمتع، وبذلك يكون لها تأثير في تكوين القيم.
وأوضحت أن اكتساب القيم عملية تعليمية تأخذ ثلاثة أشكال، فالتربية النظامية تتم في المؤسسات التعليمية، والتربية غير النظامية كالتي يتبع بها الأميون والكبار، فيما التربية العرضية التي يصادفها المرء في حياته وتتم بصورة عفوية.
وبذلك يعد اكتساب القيم من خلال الإعلام نوعا من التربية النظامية والعرضية.
لا شك في أن الإعلام يقوم بشكل عام ببث البرامج المختلفة السياسية، والاقتصادية، والثقافية والترفيهية، والرياضية، والاجتماعية، ويوجه من خلالها المواطن إلى أهداف معينة تسمى اليوم الغزو الثقافي فهناك القيم السياسية، التي ترغبها الدولة وقيم الإعلام المغاير الذي تبثه دولة أخرى وبالتالي فإن معظم الكتابات عن محتوى برامج الإعلام ووسائله والقيم التي تنطوي عليها لا يزال يستند إلى الملاحظات العابرة والمتأثرة بآراء الكاتب وميوله.
الاستمتاع والسيطرة
وبالرجوع إلى بعض نتائج الدراسات والكتابات والمشاهدات والملاحظات الشخصية تبين دكاك كيف أننا نلمح الوجه السلبي للإعلام أكثر مما نلمح الوجه الإيجابي، فمن العنف والتحايل وتفوق البطل الأمريكي الأبيض على سبيل المثال لا الحصر، والإنسان الآلي، والحب العاطفي المتحرر من القيود، والقيم الاجتماعية، إلى قيم القوى والانتصار والسيطرة على الشعوب المغلوبة على أمرها التي تدافع عن نفسها بوسائل مختلفة، وقيم السعي للحصول على الثروة والاستمتاع باللعب والمال، علماً أنه من الناحية الإيجابية نجد القيم الوطنية والسياسية، والتحريرية، والوحدوية، والدفاع عن العرض والشرف وحب الحياة والمعرفة والعلم والعمل، لافتة إلى أن القيم تختلف من مجتمع لآخر، كقيمة الاختلاف بين الجنسين في المدرسة، ومكان العمل، ومنه نحن أمام إعلام حافل بالقيم من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، وعند المقارنة بين القيم التي يحملها الأطفال والشباب والتي تظهر في اتجاهاتهم وسلوكهم اليوم نحو الأمور السياسية والوطنية والرياضية والموسيقا والرسائل التي تقدمها وسائل الإعلام وبخاصة المرئية منها، ومحتوى القيم التي تقدمها المدرسة والمنزل نجد أن قيمهم أقرب إلى المضمون الذي تقدمه وسائل الإعلام.
من هذه القيم الحب، والجنس، والعنف، والرياضة، واللباس، ومخالفة الأعراف التقليدية، هذا من الناحية السلبية، لكن من الناحية الإيجابية، يمكن لنا القول إن الإعلام يتفق مع بعض القيم الاجتماعية في المدرسة والمنزل كالقيم الدينية التي يقوم بتعزيزها، وقد سلك الجيل الناشئ من جراء متابعته للتلفزة والشاشات المرئية سلوكاً يعاكس به القيم التي يبثها فيحاكي السرقة، والتهريب، أو الاختطاف، أو الإدمان، أو القيام بمظاهر انفعالية غير سوية نتيجة الإثارة والمتعة وإرضاء النوازع النفسية لدى هذا الجيل، هذا ما يدل على خطورة وسائل الإعلام من خلال الرسائل التي تقدمها وصعوبة ضبطها، فقد تسعى لبث قيم تربوية، لكن صياغتها تدفع بالطفل والناشئ إلى تعلم العكس وتقليده، وقد تبث قيماً متعارضة، ظنا منها أنها تقارن بينها ما يدفع المتلقي لاختيار الأسوأ.
وبينت دكاك من خلال معظم الدراسات أن الأطفال يتابعون مع أهلهم البرامج المخصصة للكبار التي غالباً ما تناسب بقيمها الأهل دون الأطفال، وهذا ما يمتعهم.
وغالباً يدفعهم لتقليد قيم لا تناسب أعمارهم وظيفة التربية، إن وظيفة التربية تقوم أساساً على شحذ الذهن وتربية العقل، لكن التلفاز يطمس ذلك كله، وينحو بالطفل نحو الانفعال غير العقلاني، محاكياً بذلك البرامج المعروضة على الشاشة التي تقدم له قيماً عن الانحراف الخلقي والهبوط الذوقي والإسراف الاستهلاكي على حساب الجوهر والقيم والخلق.