قصة هلال عون:
كانت أم أوس تبكي بحرقة وهي تنظر في المرآة: يا إلهي، هل حقا هذا هو شكلي الجديد؟!.. كيف سأتناول الطعام بعد أن ذهبت أسناني جميعها؟.أبو أوس الذي مازالت جبيرتا الجيبس على ذراعيه نتيجة حادث سيارة الميكروباص العامة الذي أصابهما أثناء عودتهما من حمص إلى دمشق، كان ينظر إلى زوجته والدمعة في عينيه، ليس حزناً عليها فقط، بل لأنه لا يملك شيئاً من المال لزراعة طقم أسنان جديدة لها، وهو يعلم أن الكلفة كبيرة جداً.
أما أوس البالغ من العمر عشر سنوات، والذي نجا من إصابات الحادث، باستثناء سحجات خفيفة على ساعده الأيمن، كان ينظر إلى أمه وأبيه، وهو يشعر بالحزن عليهما، وبالفرح لأمر يخبئه في نفسه عنهما.
لم يصبر أوس كثيراً حتى ذهب إلى غرفته وفتح المخبأ السري داخل سريره، وسحب شيئاً، ثم ذهب إلى أمه ومدّ يده إليها، وناولها حقيبته المدرسية التي اشترتها له أيام الروضة: كل “المصاري” داخل المحفظة لك يا أمي، كي تزرعي أسناناً جديدة بدل أسنانك التي ذهبت نتيجة الحادث!.
وسط دهشة الأم والأب، كان أوس ينظر إلى والدته، ويقول: منذ دخلت المدرسة، قبل أربع سنوات، كنتِ تعطيني مصروفي كل يوم، ثم نظر إلى والده وقال: أنت أيضاً يا أبي كنت تفعل الأمر ذاته.. ثم نظر إلى أمه من جديد، وقال: كنت تضعين لي سندويشة، وقطع البسكويت في حقيبتي، لذلك لم أكن أشتري في طريق ذهابي إلى المدرسة ولا في طريق عودتي أي شيء.
عدّت الأم المبلغ وسط سرور عارم، وهي لا تصدّق ما يحدث، فإذا هو المبلغ المطلوب وما يفوق ذلك بالتمام والكمال..بكت أم أوس من فرحتها بابنها، ثم أمسكت بيده الممدودة إليها، وهي تلبّي رغبته وإصراره على الذهاب برفقته فوراً إلى طبيب الأسنان لزرع أسنان جديدة.