الثورة- نور جوخدار
مع اكتمال عامين على اندلاع الحرب في السودان، تشهد التطورات الميدانية تحولاً لافتاً لصالح الجيش السوداني، الذي نجح في استعادة السيطرة على العاصمة الخرطوم، وولايات الجزيرة، وسنار، والنيل الأبيض، والنيل الأزرق، إضافة إلى أجزاء واسعة من ولايتي جنوب وشمال كردفان، بعد تراجع قوات الدعم السريع وفشلها في الحفاظ على مواقعها السابقة.
وبعد دخول الصراع عامه الثالث، تنتقل المعارك إلى إقليم دارفور، حيث لا تزال قوات الدعم السريع تسيطر على معظم مناطقه، وتعزز وجودها في الجزء الجنوبي الغربي من ولاية غرب كردفان، بالتعاون مع “الحركة الشعبية– شمال بقيادة عبد العزيز الحلو في جنوب كردفان”، في المقابل تسعى القوات للسيطرة على مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، وهي آخر المدن الكبرى في الإقليم التي لا تزال تحت سيطرة الجيش السوداني.
لفهم أسباب احتدام الصراع في دارفور، لا بد من الإشارة إلى أهميته الجيوستراتيجية، والذي يتمتع بثروات طبيعية كبيرة، لا سيما الذهب والمعادن، كما يشكل موقعه الجغرافي نقطة تقاطع إقليمية مهمة، إذ يحدّه من الشمال الغربي ليبيا، ومن الغرب تشاد، ومن الجنوب الغربي إفريقيا الوسطى، ومن الجنوب دولة جنوب السودان، بالإضافة إلى ولايات سودانية مثل غرب كردفان والولاية الشمالية، كما إنه يمثل قلب أزمة ممتدة منذ أكثر من 20 عاماً حيث اندلع فيه النزاع لأول مرة عام 2003، بين الحكومة المركزية المدعومة بميليشيات الجنجويد (التي تطورت لاحقاً إلى قوات الدعم السريع) وبين الحركات المسلحة المتمردة.
ومع اندلاع الحرب السودانية في نيسان 2023 بسطت قوات الدعم السريع سيطرتها على أربع من أصل خمس ولايات في دارفور، وهي ولاية جنوب دارفور وعاصمتها مدينة نيالا، ولاية غرب دارفور وعاصمتها الجنينة، ولاية شرق دارفور وعاصمتها الضعين، ولاية وسط دارفور وعاصمتها زالنجي، وتخوض الآن معارك ضارية للسيطرة على مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور التي يسيطر عليها الجيش السوداني التي يعتبرها مركزاً استراتيجياً وممراً لوجستياً.
ومع بسط قوات الدعم السريع سيطرتها على مخيم زمزم قرب مدينة الفاشر في دارفور، بعد يومين من القصف المدفعي وإطلاق النار، والذي أسفر عن مقتل مئات الأشخاص وفق مصادر محلية، يدخل الصراع في السودان مرحلة حرجة، وخاصة على الصعيد الإنساني في أسوأ أزمة إنسانية حديثة يشهدها السودان.
وتعليقاً على التطورات، قال الكاتب والمحلل السياسي صلاح مصطفى لوسائل الإعلام: إن “تركز الحرب بدارفور سيكون له تداعيات إقليمية خطيرة وسيهدد دول الجوار”، محذراً من إمكانية دخول مجموعات إرهابية وميليشيات على خط الحرب، جراء استعانة “الدعم السريع” بكل حلفائها في دول الجوار، وأن “ماضي الإقليم المشحون بالنزاعات القبلية يهدد بإعادة اشتعال دارفور”، معتبراً أن “الفرق سيكون أن الحكومة كانت تستعين بالدعم السريع ضد الحركات المسلحة، والآن تستعين بذات الحركات المسلحة ضد الدعم السريع، مع وجود حركات محايدة مثل حركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد محمد نور، والتي ربما تنخرط في الصراع إذا تفاقم”.
وفي ظل غياب حل سياسي شامل، يبقى السؤال الأهم إلى أين يتجه المشهد السوداني؟.