الثورة – حسين صقر:
كلنا يعلم أن شرارة صغيرة يمكن أن تُشعل وطناً بأكمله، إذا غفلنا عنها، والغابات ليست فقط مناظر جميلة، بل هي رئة الأرض، ودرع المناخ، ومصدر لحياة ملايين الكائنات، وحمايتها من الحرائق واجب وطني وبيئي وأخلاقي.
بهذه الكلمات بدأ هرم جمول المهندس الزراعي والخبير بشؤون البيئة والحماية من الحرائق، وذلك خلال اتصال أجرته معه صحيفة الثورة، وأضاف بعد الحرائق التي اندلعت في الغابات السورية تزداد المخاوف من اندلاعها في الأماكن المهيأة لذلك، حيث باتت تلك الحرائق تهدد الثروة الحراجية في العديد من أماكن أخرى ليس في سوريا وحسب بل في المنطقة عموماً، ولا سيما مع فقدان الغطاء النباتي وارتفاع درجات الحرارة وضعف كميات الأمطار، موضحاً أنه لسوء الحظ، لا تأتي هذه الحرائق فقط من الطبيعة، بل في كثير من الأحيان يكون الإنسان هو العامل المباشر أو غير المباشر في اندلاعها.
كيف نمنع نشوبها؟!
لذلك فإن السؤال الذي يجب أن يُطرح اليوم ليس فقط كيف نُطفئ حرائق الغابات؟ بل: “كيف نمنع نشوبها أصلاً؟، جمول أوضح إنه للوقاية من حرائق الغابات، يجب تجنب الأنشطة التي قد تسبب اشتعال النيران، مثل إشعال النيران في الهواء الطلق خلال موسم الجفاف، والتخلص من السجائر المشتعلة بشكل صحيح، كما يجب أيضاً الحفاظ على مساحة عازلة حول المنازل القريبة من الغابات، وإزالة الأعشاب الجافة والنباتات القابلة للاشتعال.
كما يجب على الجميع الالتزام بقواعد إدارة مصادر الحرائق، مثل عدم إشعال النيران في الأماكن البرية إلا في الأماكن المخصصة، والتأكد من إطفائها تماماً بعد الاستخدام.
الوقاية من الحرائق
وشدد الخبير في شؤون البيئة على ضرورة عدم استخدام الألعاب النارية أو أي مواد قابلة للاشتعال بالقرب من الغابات، وتجنب الأنشطة التي قد تولد شرراً، مثل اللحام أو استخدام الأدوات التي يصدر عنها ذلك الشرر، وإنشاء مساحة عازلة حول المناطق السكنية، كما أكد على ضرورة الحفاظ على مساحة نظيفة حول المنازل لتقليل خطر انتشار النيران، وكذلك ترك مسافة كافية بين الأشجار، ولا سيما مع الجيران في الأراضي الزراعية.
وأشار جمول إلى أهمية التوعية والالتزام بالقواعد والتعليمات التي تصدرها السلطات المحلية والجهات المسؤولة بشأن إشعال النيران في الأماكن العامة، وفي حال وقع ذلك لا بد من التعاون ما أمكن مع فرق الإطفاء، ومساعدتهم وعدم إعاقة عملهم وسماع تعليماتهم والعمل بها.
برامج التوعية
ويرى الخبير في شؤون البيئة، إن من الأجدى أيضاً المشاركة على نطاق واسع في برامج التوعية حول حرائق الغابات، وتشديد العقوبات لكل من يتجاوز القوانين والتشريعات الخاصة بذلك، والتحقيق والمتابعة لتجنيب المناطق حرائق أخرى.
وأكد على أهمية تجهيز حقيبة طوارئ تحتوي على احتياجات أساسية في حالة الإخلاء، بالإضافة لخطة إخلاء المنازل والمناطق التي اشتعلت فيها النيران، كذلك الاحتفاظ بخزان وقود ممتلئ بالسيارات في حال احتاج المرء إلى ذلك الإخلاء.
ومن الأهمية بمكان، أن في هذا الجانب يجب مراقبة الظروف الجوية، وحالة الطقس وارتفاع درجة الحرارة، ومحاولة تجنب الأنشطة في الغابات أيام الحر والجفاف، واتباع التعليمات بشأن حظر التجول أو إغلاق المناطق في حال وجود خطر كبير لاندلاع الحرائق.
التدخل السريع
وقال جمول: إذا لاحظنا أي حريق في الغابة، لا بد من الاتصال فوراً بخدمات الطوارئ، والاحتفاظ بأرقامهم في المنزل وعلى هواتفنا الجوالة، وإذا كان الشخص قريباً من الحريق عليه محاولة إخماده ريثما تأتي الفرق المختصة، بحيث لا نعرض أنفسنا للخطر، و إذا لم نتمكن من ذلك، من الضروري الابتعاد عن مركز الحريق ريثما يأتي رجال الإطفاء إلى مكان الحريق.
وأكد جمول على ضرورة العمل من أجل تركيب أجهزة إنذار في الغابات ووصلها بشكل مباشر إلكترونياً إلى مراكز الإطفاء الجوية التي تستخدم المروحيات والأرضية التي تستخدم السيارات، وقال: هناك تدابير ذكية تُستخدم عالمياً تعرف بـ”الخطوط النارية، وهي ممرات تُفرغ من أي نباتات أو أشجار، وتُستخدم كحواجز طبيعية لوقف تمدد الحرائق، وهذه الخطوط يجب أن تُخطط وفق اتجاهات الرياح والتضاريس الجبلية، منوها لما يتوجب على البلديات والهيئات البيئية أن تقوم بحملات موسمية منظمة لإزالة الأوراق المتساقطة والأعشاب الجافة، خاصة قبيل دخول أشهر
التكنولوجيا ليست ترفاً
وختم جمول بالقول: لقد أثبتت التجارب أن الاعتماد على الطائرات من دون طيار (Drones)، والكاميرات الحرارية، وأجهزة الاستشعار عن بُعد، يمكن أن يُحدث فارقاً كبيراً في اكتشاف الحرائق في بدايتها، حتى الذكاء الاصطناعي بات يُستخدم لتحليل البيانات الجوية وتوقع المناطق الأكثر عرضة للخطر، لأن كل دقيقة تأخير في التعامل مع حريق غابة تعني أضعاف الضرر، ولهذا يجب تجهيز فرق الإطفاء بمعدات خاصة تناسب طبيعة التضاريس الجبلية والغابات، وتدريبهم على تقنيات إخماد الحرائق في الأماكن الوعرة، وليس فقط في المدن.
كما أنه لا يمكن لأي خطة أن تنجح دون وعي المواطن، حيث إشعال النيران في التنزه، أو رمي الزجاجات، أو حتى إلقاء أعقاب السجائر، قد يؤدي إلى كارثة لا تُحمد عقباها.
لذلك، فإن المدارس، والإعلام، والمراكز المجتمعية، جميعها يجب أن تلعب دوراً في ترسيخ ثقافة “الوقاية أفضل من الإطفاء”، وذلك على لوحات منتشرة في الغابات بكثافة.