بين المعاهد التقانية وميدان العمل.. كفاءات وقوة في مشهد الاقتصاد والتنمية
الثورة – مريم إبراهيم
يبدو أن ربط مخرجات التعليم العالي باحتياجات سوق العمل، ولاسيما في مجال المعاهد التقانية أمر بالغ الأهمية والضرورة الملحة، في وقت تتفاقم فيه مشكلات خريجي الجامعات والمعاهد بشكل عام لجهة توجيه الاختصاصات الدراسية والاستفادة منها بما يطلب سوق العمل والذي يشهد حالياً حالة عدم انضباط وفوضى وعشوائية، ويواجه كماً كبيراً من التحديات والصعوبات المختلفة، والتي تولد مشاكل وصعوبات الحصول على العمل المناسب للاختصاص الدراسي.
خبرة وعمل
ولعل موضوع المعاهد التقانية التابعة لوزارة التعليم العالي هي بحد ذاته أبلغ الأمثلة عن واقع تعليمي من المفروض أن يحظى بأهمية كبيرة لنواح عدة فيها سواء الطلاب أو المناهج الدراسية، أو التدريب وتأمين فرص العمل لخريجي هذه المعاهد، في ظروف تبدو الحاجة فيها ضرورية بالاعتماد على خريجيها والاستفادة من خبراتهم في ميدان العمل المهني.
وفي هذا الموضوع علق مختصون في هذا التعليم أهمية وتفاؤل على التعاون الذي تم بين وزارتي التعليم العالي والطاقة بشأن تدريب طلاب معهد النفط، وذلك بهدف تحسين المخرجات العلمية والعملية للطلاب وتعزيز فرصهم في الاندماج المباشر في سوق العمل بعد التخرج كوجهة نظر للتعليم العالي، والتي تعتبر أن جزءاً أساسياً من رؤيتها يتمثل في توجيه التعليم العالي بما يتناسب مع متطلبات التنمية وسوق العمل.
كما أن الوزارة تعمل حالياً على إعداد معجم للاحتياجات لتحديد المهارات والتخصصات المطلوبة، بما يسهم في توجيه البحث العلمي بالشكل الأمثل ويعزز من التشبيك مع القطاع الخاص، إضافة لما يمكن أن يحدثه هذا التعاون من أثر مهم في ربط الدوام العملي لطلاب المعاهد والكليات التقنية بمؤسسات ومنشآت وزارة النفط لتأمين فرص تدريب ميداني حقيقي يساعد في تكوين أفكار بحثية لدى الطلاب وتحسين كفاءاتهم التطبيقية، والاستفادة من خدمات هيئة الطاقة الذرية، في المجالين الطبي والبحثي، وتفعيل مركز بحوث الطاقة وربطه بالجامعات، وضرورة دعم المعاهد التقانية المعتمدة في مشاريع إعادة الإعمار ووضعها في مقدمة أولويات التطوير، ودراسة واقعها بشكل تفصيلي وربطها بالوزارة المختصة.
وبحسب معلومات الوزارة فإنها تدعم فكرة استثمار كلية الهندسة الكيميائية والبترولية في دير بعلبة بمحافظة حمص كمركز تدريب وتأهيل لطلاب البتروكيمياء، وذلك يعكس أهمية في رفد القطاع النفطي بكوادر مؤهلة ومدربة.
إعادة نظر
من ناحية أخرى تعد وزارة الطاقة من أهم ميادين العمل لخريجي الهندسة، وهذا يتيح إمكانية إشراك الطلاب قبل التخرج في أنشطة عملية داخل منشآت الوزارة، سواء من خلال برامج تدريبية أم عبر عقود جزئية، وهو ما يسهم في ربط الطلاب بالمؤسسات وتعزيز خبراتهم التطبيقية، وتمكينهم من إعداد مشاريع تخرج وأبحاث دراسات عليا ذات صلة مباشرة بالمجال النفطي، بحسب وجهة نظر الوزارة، والتي تدعو لضرورة إعادة النظر في آلية مفاضلة القبول في المعاهد النفطية، والتركيز على المسارات البحثية والتطبيق العملي، فالالتزام بتأمين فرص عمل للخريجين يُعد حافزاً كبيراً للطلاب لاختيار التخصصات المطلوبة في سوق العمل، إضافة إلى أن عودة الشركات الأجنبية إلى السوق السورية ستشكل دعماً مهماً للقطاع التعليمي والبحثي من خلال توسيع آفاق التعاون والتدريب والتطوير في مجال الطاقة.
المعاهد التقانية
وتتشعب اختصاصات ومجالات المعاهد التقانية والتي كانت تسمى المعاهد المتوسطة سابقا، وحدد الهدف من إحداثها بتخريج خبراء في مجالات تطبيقية في مختلف المجالات التي يتطلبها سوق العمل، من مثل المجال الهندسي، والمعلوماتي، والصحي، والصناعي، والحرفي، والفني وغير ذلك من المجالات، وخريجيها يحصلون على شهادة دبلوم تقاني أو مساعد مجاز، إضافة إلى الشهادة الثانوية، وبالتالي يكون الخريج أكثر تأهيلا في مجاله من الحرفي أو العامل العادي الذي اكتسب خبرته من سوق العمل مباشرة، ومدة الدراسة فيها سنتان دراسيتان وتنتهي الدراسة بمنح شهادة دبلوم تقاني أو مساعد مجاز حسب كل معهد يمكن لحاملها العمل في القطاعين العام والخاص، ويتبع قسم من المعاهد التقانية إلى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، بينما يتبع القسم الآخر إلى جهات ووزارات أخرى مثل الصناعة والنفط و وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل والنقل والصحة وغيرها، ومع صدور المفاضلات الجامعية تصدر الحدود الدنيا للقبول في كل معهد تقاني من هذه المعاهد.
تفعيل أدوار
وفي هذا المحور يؤكد خبراء تعليم وموارد بشرية ضرورة تفعيل أدوار المعاهد التقانية لتحقيق أهدافها عبر رسم سياسات واستراتيجيات وخطط عمل من شأنها أن تحقق الهدف والغاية من هذه المعاهد، إذ تُولى أهمية كبيرة في الدول الأخرى، سيما في الاقتصاد وسوق العمل، وتحدث مسارات متكاملة مع باقي مسارات التعليم العالي في الكليات والاختصاصات الجامعية المختلفة.
ويبين الخبير المهندس باسل حسن لصحيفة الثورة أن دور التعليم التقاني ومخرجاته في سوق العمل تتأكد أهميته في مرحلة إعادة الإعمار، لكن لا يزال هذا التعليم بحاجة للكثير من الاهتمام الذي يتناسب مع أهميته، سيما ما يخص ضرورة تطوير الخطط والمناهج الدراسية وفق معايير وطنية، وضمان جودة التعليم والتدريب، بما يتناسب مع احتياجات السوق، وتفعيل الشراكة مع وزارات ومؤسسات الدولة، واستثمار الخبرات والتجهيزات الموجودة في المعاهد، وإقامة الدورات التدريبية والمشاريع الإنتاجية، والعمل على إحداث حوافز تشجيعية للدخول لمعاهده باختصاصاته كافة.
مضيفاً: نعمل على جذب خريجي الثانوية إليه مع أهمية لحظ إحداث اختصاصات جديدة مطلوبة حالياً في سوق العمل، ودراسة آليات القبول الحالية المعتمدة فيه، وتفعيل القانون الذي اعتبر المعاهد التقانية مراكز إنتاجية، وانسجام تلك المراكز مع اختصاص المعهد بما لا يحدث أية آثار تعوق سير العملية التعليمية في هذه المعاهد، كما أن التدريب العملي للطلاب يعزز القدرة على امتلاك المهارات اللازمة في التخصصات، التي يطلبها ميدان العمل سواء جهات حكومية أو خاصة، فاليوم هناك تحديات جسيمة لإعادة بناء الاقتصاد والمجتمع على أسس جديدة من شأنها أن تحدث تميزاً وقوة في مشهد البناء و التنمية المستدامة.