غصون سليمان:
فرضت الظروف تحدياتها على إيقاع المجتمع السوري بكلّ تجلياته فلم يعد ماكنا نحلم به ونعيشه من بحبوحة ووفرة على الصعيد الحياتي ميسراً اليوم ، بل باتت الندرة والقلة وضيق الحال من الناحية المادية سيّد الموقف .
فمع اقتراب موعد شهر رمضان المبارك شهر الرحمة والعطف والإنسانية بات الكثيرون يتحسرون على عادات وذكريات وطقوس سائدة كانوا يقومون بها ،لاسيما في الجمعة الأخيرة قبل قدومه، حيث اعتادت العديد من العوائل والأسر على اختلاف شرائحها أن تحضر ما يحلو لها من الطعام والشراب تحت مسمى تكريزة رمضان وذلك تيمنا بأيامه الجميلة، فكانت الأمهات والزوجات وربات المنازل يحضرن مالذّ وطاب من الطعام والشراب للسيران في الأماكن والمنتزهات والحدائق التي يرونها مناسبة حسب جغرافية كلّ محافظة وفصول العام ، لقضاء يوم أو أكثر مع فرح الأطفال والأقارب والجيران.
فلم يكن صعباً تأمين اللحمة والخضار والفواكه والأجبان والألبان والحلويات بأنواعها، فقد كان الواقع المعيشي ميسراً وسهلاً وكانت المائة ليرة تحكي كما يقال ..والمرأة السورية معروفة بحسن تدبيرها وقدرتها على إرضاء جميع الأذواق لطالما كلّ شيء كان متوفراً.. من كهرباء وغاز ومحروقات، ومواصلات، وأسعار السلع والمواد مناسبة لجميع أنواع الدخول المحدودة ، أكانت عامة أو خاصة ،
ولم يحرج ربة المنزل أو الأب أو الزوج تأمين ماتتطلبه حاجات البيت والأسرة سواء في الأيام العادية أو المناسبات الدينية وخاصة في الشهر الفضيل .
ولطالما نستذكر تكريزة رمضان بشوق وحسرة على أيام الغنى والرفاه والأمان ،ربما بات اليوم من الصعب أن يمارس هذا الطقس إلا القلة القليلة من الناس،فقد تغيّرت الأحوال والظروف نتيجة الحرب العدوانية التي فرضت على بلدنا وسرقت معها كلّ مباهج الحياة التي كان يتمتع بها الجو والبيت السوري بكلّ تفاصيله ..
حرب ظالمة أودت بمعظم مقدرات وإمكانيات الشعب السوري ،بعدما دمرت وخربت وسرقت بفعل أدوات الإرهاب، ماجعل الواقع الاقتصادي ضاغطاً وقاسياً ومريراً ..
لم يعد بإمكان المواطن تلبية وشراء ربع حاجياته من السلع الضرورية أو حتى الكمالية ،فقد ضاقت جيوب الموظف والعامل فكيف بمن ليس لديه معيل .
بات الأمر محيراً حقاً لاسيما عند السيدات اللواتي يجتهدن كلّ يوم لتأمين أبسط طبخة ولتكن من الحشائش والورقيات، من سلق ،سبانخ ،فجل، بصل وغيرها من أنواع الخضار الموسمية نظراً لارتفاع أسعارها.
إن بورصة الأسعار المتصاعدة يومياً والغلاء الفاحش دون أي مبررلم يترك مجالاً لكي يتنفس المجتمع السوري أو حتى يحلم بمكانة «أم الطربوش سابقاً أي ال»٥٠٠ «ليرة التي كانت تملىء رفوف البراد.
فما بالنا اليوم وطبق البيض وصل ل٣٠ ألفاً، وحتى الألف ليرة لم تعد تغري فضول طفل لشراء كيس شيبس من الدرجة الخامسة من الجودة.. فكيف لنا بأحلام التكريزة التي باتت صورة موثقة في أرشيف الذكريات.
التالي