الثورة – مها دياب:
في عالم يتسارع فيه التقدم التقني، وتتراكم فيه المنجزات العلمية والمعرفية، تظل الأخلاق حجر الأساس الذي يمنح هذا التقدم روحه الإنسانية، فليست المظاهر المدنية وحدها ما يبني الأمم، وإنما القيم الرفيعة التي تصون الإنسان من الغرق في المادية والأنانية، الأخلاق تضع حدوداً للظلم، وتفتح أبواباً للحب والعدل والخير، وتمنح المجتمعات حصانة من التفكك والانهيار.وقد حمل العرب قبل الإسلام منظومة من القيم الأصيلة التي سبقت الرسالة واحتضنتها، ومنحتها أرضاً خصبة للانبثاق، لم تكن تلك الأخلاق ترفاً ثقافياً، بل كانت واقعاً يومياً تجسده المرويات والأشعار والسير، لتصبح لاحقاً إرثاً تتكئ عليه كل نهضة تبحث عن استقرار معنوي وسلوك حضاري متوازن.
الكرم عنوان العرب
وفي هذا السياق تحدث عدنان الملا أستاذ المواد الشرعية في بعض ثانويات دمشق: إن الكرم كان من أبرز ما تميز به العرب، وأن حاتم الطائي بات رمزاً لهذه الفضيلة عبر التاريخ، حتى أنه كان يحاول إقناع زوجته المعترضة على جوده إن المال يذهب ويجيء، لكن الذكرى الطيبة تبقى، وإن هذا الكرم لم يكن عن غنى، بل عن عزة نفس وإدراك أن بذل المال لمصلحة الناس هو طريق الخلود في الذاكرة.
العفة والشجاعة
وأوضح أن العفة كانت إحدى القيم التي كرم بها العرب أنفسهم ومجتمعهم، واستدل بقول عنترة بن شداد في احترامه لحرمة الجار، إذ قال: إنه يغض طرفه حتى تختفي جارته عن الأنظار، مؤكداً أن هذا السلوك يعكس رجولة حقيقية تبنى على الاحترام لا على فرض الهيبة بالقوة.كانوا بقمة الشجاعة يتوجهون إلى الموت بجرأة وشهامة دفاعاً عن أنفسهم وقبائلهم، وأضاف: إن عنترة كان مثالاً لهذه الشجاعة، إذ خاض المعارك في أقسى الظروف، مشيراً إلى أن هذه البطولات لم تكن مغامرة عابثة، بل كانت تعبيراً عن كرامة لا تقبل الإهانة ولا الذل.وعبر الملا عن أهمية الحمية التي يحملها العربي تجاه أهله وناسه تعبيراً عن التضامن والانتماء، وهي قيمة يمكن اليوم أن تعاد صياغتها بروح وطنية ناضجة، تقف إلى جانب المظلوم وترفض التفريط في الحق.فالبطولة لم تعد حكراً على ساحات القتال، بل غدت فعلاً أخلاقياً يجسد في المواقف الجريئة، وفي قدرة الإنسان على إعلان انحيازه للقيم، ولو على حساب المصلحة الشخصية.
فالبطولة في سياقها الإعلامي، ليست بالصوت العالي ولا بالشعارات، بل في القدرة على قول الحقيقة حين يصمت الآخرون، وفي الإصرار على الإنصاف والعدالة من دون انحياز أعمى، وبالتالي فإن الإعلامي النزيه لا ينجرف وراء تيارات الاستقطاب، بل يقف كمحور توازن يراقب، يحلل، ويقدم الرواية كاملةً من دون تشويه أو تغطية، ومع ذلك، لا تعني الحيادية التخلي عن القيم، بل تعني التزاماً أخلاقياً بالمصداقية، وانحيازاً واعياً للحق من موقع المهنة لا من منصة التجييش.
الإعلام بطولة أخلاقية
وأكد الملا أن الحمية التي يحملها العربي تجاه ناسه وأهله، ماهي إلا تعبيراً عن التضامن والانتماء، وهي قيمة يمكن اليوم أن تُعاد صياغتها بروح وطنية ناضجة، تقف إلى جانب المظلوم وترفض التخلي عن الحق، فالبطولة لم تعد حكراً على ساحات القتال، بل أصبحت فعلاً أخلاقياً يجسد في المواقف الجريئة، وفي قدرة الإنسان على إعلان انحيازه للقيم ولو على حساب المكاسب الشخصية.في هذا السياق، يأخذ الإعلام دوراً بطولياً حين يرفض التزييف ويواجه الاستقطاب، لا بالشعارات، بل بالمهنية الصادقة التي تقول الحقيقة حين يصمت الآخرون، فالإعلامي النزيه لا يكتفي بنقل الوقائع، بل يصيغها بعدالة، ويقف في وجه التطبيع مع الظلم أو التسطيح مع الأزمات.
حامل الإرث
وأضاف: إن الإعلامي الشاب حامل الإرث الأخلاقي العربي، وهو اليوم امتداد لذلك الذي عاش بالكرامة والعزة، وليس من المفترض أن تتخلى الأجيال الجديدة عن هذا الإرث، بل مطالب بأكثر من الحياد، عليه أن يتحلى بالشجاعة، والكرم، والانتماء، وأن ينقل هذه القيم إلى جمهوره بلغة صادقة تخاطب العقول والضمائر.فالفضيلة ليست موضوعاً احتفالياً ولا شعاراً عابراً، بل هي جوهر الرسالة الإعلامية، والمصداقية الأخلاقية تبدأ حين يمتلك الإعلامي الجرأة على قول لا في وجه التزييف، ويختار أن يكون صاحب موقف إنساني من دون أن يتخلى عن الحيادية المهنية.
الأمم تبقى بالأخلاق
وختم قوله بالتأكيد على أن الأخلاق هي معيار بقاء الأمم وتفوقها، وقال: إن البناء الحقيقي لا يبدأ من المصانع ولا ينتهي عند التقنيات، بل يبدأ من الإنسان، واستشهد بقول أمير الشعراء “إنما الأمم الأخلاق ما بقيت، وإذا ذهبت الأخلاق ذهبوا”، موضحاً أن الإعلامي الملتزم بالقيم هو من يحمي مجتمعه، ويزرع في كلماته بذور العدالة والإنصاف والانتماء، لأن القصص تُنسى، لكن القيم تبقى وتورث.