الثورة – سيرين المصطفى
في ظل الحرب التي عصفت بسوريا خلال السنوات الماضية، اضطر آلاف السوريين، داخل البلاد وخارجها، إلى تحمل بيئات عمل سامة فُرضت عليهم بسبب النزوح وتردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، ما ترك آثاراً بالغة على صحتهم النفسية وجودة حياتهم اليومية، وفاقم من حجم التحديات التي يواجهونها.
رغم تطلع السوريين للعثور على فرص عمل تضمن حياة كريمة وتساعدهم في تطوير ذواتهم، إلا أن الكثيرين وجدوا أنفسهم داخل بيئات عمل خانقة تعوق طموحاتهم وتقلل من إمكاناتهم، تاركة أمامهم خيارات ضيقة ومحدودة، يصعب معها الاستمرار أو المغادرة.
تشير شهادات جمعها التقرير إلى أن بيئات العمل السامة التي اختبرها السوريون خلال الحرب اتسمت بسوء الإدارة والقيادة المتسلطة، وغياب الاحترام والتقدير، وانتشار النميمة والصراعات الشخصية، إضافة إلى المحاباة والإقصاء، وانعدام التوازن بين الحياة المهنية والخاصة، ومحدودية فرص التطور.
كما أبلغ موظفون عن معاناتهم من زملاء ينقلون كل تفاصيل العمل بدافع الوشاية وكسب رضا المسؤولين، ما ولّد شعوراً بالضغط وكأنهم تحت رقابة دائمة، تُحسب فيها كل كلمة أو تصرّف.
تؤثر بيئات العمل السامة على الموظف بشكل مباشر، حيث تبدأ الأعراض النفسية بالظهور تدريجياً مثل التوتر المستمر وفقدان الثقة بالنفس، لتتحول لاحقاً إلى مشاكل جسدية كالأرق، الصداع، واضطرابات الهضم، وتدفع البعض إلى التفكير بالانسحاب من العمل رغم حاجتهم الماسّة إليه.
تنوّعت استجابة الموظفين لهذه البيئات، فبينما قبل البعض الاستمرار تحت الضغط بسبب الفقر والحاجة والالتزامات الأسرية، اختار آخرون الانسحاب وإنهاء عقودهم، مفضلين الحفاظ على صحتهم النفسية على البقاء في أماكن تؤذيهم معنوياً وجسدياً.
بعض العاملين لجأ إلى المواجهة الذكية مع هذه البيئات، عبر فتح حوارات هادئة لمعالجة المشكلات، أو الاستعانة بأقسام الموارد البشرية، وتوثيق الانتهاكات إن وُجدت. كما أن تدريبات مهنية وتنمية المهارات ساعدت البعض على إيجاد بدائل أفضل والخروج من هذه البيئات المؤذية.
رغم الصعوبات، ظهرت مبادرات محلية تسعى لتحسين بيئات العمل، كإنشاء شبكات دعم مهنية لتبادل الخبرات، وتنظيم ورش توعية حول الحقوق العمالية، إلى جانب استخدام منصات التواصل لنشر تجارب العاملين وتحفيزهم على اتخاذ خطوات نحو التغيير.
تُعد بيئات العمل السامة تحدياً جديداً فُرض على السوريين، لكنها ليست معركة بلا أمل. فمع ارتفاع الوعي بالحقوق المهنية، وتطور المهارات، وتشكيل شبكات الدعم، بات بالإمكان التخفيف من آثار هذه البيئات، بل والانتقال منها نحو فرص عمل أكثر أماناً واحتراماً للكرامة الإنسانية.