الملحق الثقافي- علي حبيب:
تحت العنوان السابق يكتب عبد السلام حيدر في عربي بوست قائلاً : وسائل التواصل الاجتماعي أسهمت في جعل الكثيرين يشعرون أن لديهم ما يقولونه، وأن ما يقولونه يمكن أن يحوز الإعجاب والانتشار..الفرق بين هذا وبين تأليف كتاب أو رواية كبير جداً، لكن للأسف لا أحد يشرح هذا للشباب، وهم في الأغلب أكثر عَجَلة من محاولة فهمه أو الانتباه له.
زيادة عدد الشباب الراغبين في كتابة «روايات» ظاهرة عالمية، وليست عربية فحسب.
التساؤل عن سر الأمر والاستغراب منه عالمي تماماً، أي إن الأمر لا علاقة حصرية له بالإحباط الذي يتعرض له شبابنا، رغم أن الإحباط ممكن أن يكون عاملاً مساعداً فيه.
وسائل التواصل الاجتماعي أسهمت في جعل الكثيرين يشعرون أن لديهم ما يقولونه، وأن ما يقولونه يمكن أن يحوز الإعجاب والانتشار.
الفرق بين هذا وبين تأليف كتاب أو رواية كبير جداً، لكن للأسف لا أحد يشرح هذا للشباب، وهم في الأغلب أكثر عَجَلة من محاولة فهمه أو الانتباه له.
الانتقال من الإعجاب المجاني لفقرة صغيرة إلى دفع ثمن لقاء كتاب (لن تقل صفحاته في الأقل عن 100 صفحة) أمر مختلف جداً، وأولئك الذين نجحوا في الانتقال من كونهم (كُتاب وسائل تواصل اجتماعي) إلى كُتاب (مطبوعين) هم أقلية نادرة (لا أستطيع الآن تذكر أكثر من اسم واحد فقط ولم يكن الاسم ينتمي لجيل سي بكل الأحوال – ولا أقصد وجود مبيعات فقط فممكن أن تسهم وسائل التواصل في نجاح أول كتاب أو كتابَين لنجومها).
وسائل التواصل الاجتماعي أيضاً تعزز (الأنا) عند مستخدميها، مجرد وجود اسمك مستقلاً على صفحتك الشخصية، ومجرد سهولة تكوين صفحة عامة لك، مكتوب فيها تحت اسمك (كاتب)، يسهم حتماً في جعل الأمر يبدو أسهل، والأنا فيه أوضح.
والكتابة فيها (أنا) بلا شك.. تعودنا ذمّ الأنا وانتقادها واعتبارها رجساً من عمل الشيطان، لكنها في النهاية موجودة شئنا أم أبينا، ولها دور في كل منجزاتنا مهما حاولنا تغطية ذلك بشعارات.
هذا الربط بين وسائل التواصل الاجتماعي وبين الأنا، وبين الكتابة (الإبداعية خصوصاً) والأنا أيضاً، له دخل في دفع الكثيرين من الشباب إلى الكتابة.
أيضاً من مميزات الجيل سي البحث عن الإبداع والتجريب والبعد عن المهن التقليدية، ماذا سيكون غير تقليدي ومبدع أكثر من أن تكون مهنتك كاتباً؟ (للأسف هم يتصورون هنا أنه يمكن تكرار تجربة كاتبة هاري بوتر في عالمنا العربي، ولا فكرة لديهم عن هزالة أرقام المبيعات وعزوف القراء عن القراءة وضآلة نسبة الكاتب المتعارف عليها..).
والجيل نفسه لديه هوس بترك بصمة على العالم، بل وتغيير العالم أيضاً، وهو أمر جميل جداً وإيجابي، ولكن فهم الكثير من أفراده أن الكتابة هي الطريقة الوحيدة لذلك، وهو أمر محبط جداً لكل من ساهم في نشر هذه الشعارات.. لم يكن المقصد من هذا أبداً أن تكتب حتى لو لم تكن لديك موهبة الكتابة؛ لأن تغيير العالم عندها سيكون إلى الأسوأ!
وطبعاً الجيل نفسه تعرض لحقنة مركزة من ثقافة أطلق المارد العملاق في داخلك و(يمكنك أن تفعل ما تريد) ودورات المشي حافياً على النار، فإذا كنت يعني ستفعل كل ذلك، فهل حقاً من الصعب عليك أن تطلق (حتّة) كاتب من أعماقك؟
كمحصلة نهائية -عالمية على ما يبدو- الناتج الكمي لا علاقة له بالرواية، نسبة ضئيلة جداً من الناتج تستحق أن تسمى رواية.
بالتأكيد نحن أيضاً نعيش في عصر: طارد أحلامك وكن أنت وإلى آخر المعزوفة، بحيث يبدو أي نقد عملية تكسير مجاديف لا معنى لها؛ لذا لا أتحدث هنا عن أي أحد بعينه، ولا عن أي رواية معينة، بل أتحدث عن الظاهرة فحسب.
الرواية والكتابة عموماً عمل أصعب بكثير مما يبدو للوهلة الأولى، هي أشبه بعملية رهبنة من نوع خاص، إن لم تكن تعتقد أنك تحمل ما يكفي من الاستعداد للمضي فيها، فلا تفعل.
اطرح على نفسك هذا السؤال: لماذا أكتب؟
ثم اطرح على نفسك وعلى مَن حولك سؤالاً أهم: لماذا تقرأ؟
في الأغلب ستجد أن جوابك عن سؤال الكتابة لا علاقة له بجواب الآخرين عن القراءة أو جوابك أنت شخصياً.. بطريقة ما أكثر أجوبة الناس عن القراءة ستدور حول المتعة (باختلاف مفهوم المتعة من شخص لآخر، من البكاء إلى الضحك إلى التشويق إلى المعرفة نفسها)، لكن في النهاية تبقى المتعة عاملاً حاسماً.
هل جوابك عن سؤال الكتابة يمكن أن يوفر لهم ما يبحثون عنه بطريقة أو بأخرى: المتعة؟ أم إنك أنت في كوكب آخر تماماً؟ كيف يمكن أن نساعد هؤلاء؟
في رأيي فإن المساعدة الحقيقية هي بقول الرأي الحقيقي في النتاج، أو بعدم قوله، ولكن على الأقل بعدم تقديم مجاملات من نوع مجاملات الفيسبوك على العمل الأدبي، الأمر لا يحتمل، فالشباب صدَّقوا أكثر مما يجب، والنتائج كارثية، والله كارثية.
العدد 1142 – 2-5-2023