لعلنا وصلنا إلى حالة المصارحة المطلوبة بين المواطن والسوق، بعد أن أمعنت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك طيلة سنوات سابقة، بالتهويل الإعلامي حول “نزالاتها” مع التجار دفاعاً عن المستهلك، وفي كل جولة كان يربح التاجر وهي تصفق لنجاحاتها.
اليوم انحسرت استعراضات الوزارة وتحولت إلى أكثر واقعية، عائدة إلى أدواتها الأكثر فاعلية في سوق تحكمها أدبيات العرض والطلب، دون تغرير بالمستهلك وإيهامه بأن ثمة قوة ضاربة تسهر على حمايته.
لدى الوزارة ذراع تدخل ضاربة في السوق، هي “السورية للتجارة” أكبر تاجر مؤثّر، وأهم أداة تدخلية تجري اليوم إعادة تفعيلها بهدوء ودون ضجيج أو جلبة مفتعلة، لتكون التاجر الحكومي المحترف الذي يدير السوق بالفعل لا بمجرد القول.
مواسم الفلاحين هي الداخل الجديد وبقوة على خارطة عمل الوزارة، بدون تجار ولا وسطاء.. يتزود مندوبو السورية للتجارة بمبالغ مالية كافية مخصصة للشراء المباشر من الحقل والدفع “كاش” ليتم التحميل فوراً ومن ثم الشحن بين المحافظات، والبيع للمستهلك بأسعار تختصر كافة العلاوات التي كانت ترتبها الحلقات الوسيطة ويدفعها المستهلك.
نحن أمام حزمة إجراءات جديدة تنتصر للفلاح المنتج والمستهلك معاً، عبر إبعاد السماسرة الذين كانوا يستغلون الطرفين معاً، وهذا هو بالتحديد تطبيق فكرة التدخل الإيجابي.
المسألة ليست كيمياء كما يقال، فقط تحتاج إلى إرادة وجدية في العمل، حيث لا ينفع إلا الجدية والعمل.. فأن نوفر سلعاً بأسعار منافسة ونترك الخيار للمستهلك، أفضل بكثير من “همروجات” ملاحقة التجار وضبط الأسعار مرة، ومرة أخرى أحاديث عن تحرير الأسعار، وثالثة عن دراسات التكلفة والفواتير، وسير أضاعت رشد المستهلك وأدخلته في أزمة مضافة إلى أزمته.
الأمور أخذت طريقها اليوم نحو التوازن، ونتوقع أن نلمس جميعاً كمستهلكين نتائج طيبة وبالتدرج، لكن قد تحتاج المسألة إلى بعض الوقت لتتبلور الأمور كما يجب، فما تشوّه واختل ميزانه على مرّ سنوات لا يمكن إصلاحه بأيام وأشهر قليلة..
سنتفاءل بالخير.. لأننا نؤمن بمقولة “تفاؤلوا بالخير تجدوه”.
نهى علي