في الحكمة الصينية.. “يتساوى الناس بلون دمائهم”
افتتاحية الثورة – بقلم رئيس التحرير أحمد حمادة:
قد يختلف الناس في ألوان بشرتهم، فهذا أسود وخلاسي وأصفر وذاك ملون وأبيض، وكذا الأمر في أعراقهم ومعتقداتهم، لكن ثمة عامل مشترك بينهم، وتعبر عنه منذ الأزل الشعوب ذات الحضارات العريقة، ففي أدبيات العرب وثقافتهم وقرآنهم لا فرق بين الشعوب إلا بالأخلاق و”بالتقوى” وبعدهما الإنساني.
وكذا الصينيون، يدركون هذه الحقيقة منذ تأسيس حضارتهم منذ آلاف السنين، أي حقيقة اختلاف ألوان البشر وأعراقهم وثقافاتهم وعاداتهم، لكنهم ينسجون سجادة اللقاء بينهم على قاعدة حكمتهم التي تقول: “يختلف الناس بألوانهم لكنهم يتساوون جميعاً في لون دمائهم”.
من هنا، من أبجديات هذه الحكمة، كانت الدعوة الصينية للمساواة بين البشر، وتالياً المساواة بين الدول واحترام سيادتها، والتي جعلت الآخرين يحترمون هذا الدور، ويتراكضون في مشارق الأرض ومغاربها نحو الصين، وهو الأمر الذي جعل دور بكين يتصاعد مؤخراً في أكثر من منطقة في العالم، من حوار إيران والسعودية، إلى الوساطة في أوكرانيا، إلى غيرها من الملفات، ولاسيما أنه دور يستند إلى سياسة “الهدوء والتوازن”.
لا بل أضيف هنا إلى عنصري الهدوء التوازن، اللذين جعلا الآخرين يحترمون هذا الدور، أن الصين تؤمن بحوار الحضارات والثقافات، وسياساتها تجاه شعوب العالم، ولاسيما في منطقتنا، تتماشى مع رغبة الأمم بالسلام والازدهار، وفوق هذا وذاك فإن دبلوماسية بكين تمهد دوماً لدبلوماسية “الشراكة” بدلاً من التحالفات، ففي الشراكة يتساوى الجميع.
هنا قد يقول قائل: ولكن كل الدول العظمى تسعى نحو مصالحها، بل هدفها الأول تحقيق تلك المصالح، ولذلك فالصين مثلها مثل أميركا أو فرنسا أو بريطانيا، والإجابة في غاية السهولة واليسر، وهي أن هذه القاعدة تنطبق على الجميع بالفعل، لأن المصالح في عالم اليوم هي التي تحدد علاقة الدول ببعضها أولاً وأخيراً، وهذا ينطبق على الصين، وينسحب على سياساتها مثلها مثل غيرها.
ولكن الفارق هنا بين الصين وأميركا وسواها أن بكين لا تسعى لتحقيق مصالحها في منطقتنا أو في إفريقيا أو سواهما بطرق عدوانية، ولا تنخرط في منافسات جيوسياسية تفضي إلى الحروب والأزمات كما تفعل واشنطن وحلفاؤها، ولا تخلق مناطق نفوذ لها دون غيرها، بل تتمسك بروح الشراكة المتكافئة والودية، وتحترم الخيارات المستقلة للدول الأخرى، وتضخ طاقة إيجابية في التنمية السلمية للعالم من خلال التعاون بين أطرافه.
وهي، أي الصين، لا تحاول فرض قوانينها ورؤاها على العالم كما تفعل واشنطن عبر فرض قوانين “ليبراليتها” المتوحشة، بل من خلال الدعوة لبناء عالمي جديد يحترم الشعوب، ويحافظ على استقلالها ووجودها، ويحمي حقوق الإنسان بالأفعال لا بالأقوال والمتاجرة بالشعارات كما تفعلها واشنطن صباح مساء.
ختاماً هناك حكمة صينية أخرى تقول أيضاً: “إن أصحاب البصيرة يسعون للبناء، بينما البسطاء في التفكير يختلقون الأزمات”، ويبدو أنها تعبر ليس عن البصيرة الصينية التي ترى بعين ثاقبة، بل عن بصيرة أميركا العمياء التي جعلت العالم كله في مهب الريح، رغم أنها حكمة قيلت منذ زمن بعيد، وقبل تأسيس أميركا نفسها.