الثورة – ترجمة ميساء وسوف:
إن فهم الأسس العميقة للتعاون الروسي الإفريقي، ومعرفة المشاكل التي يواجهها الأفارقة، وفهم جوهر طلبهم للتعاون يمكن أن يصبح ميزة تنافسية جادة لروسيا في الظروف الجيوسياسية الحالية، فقد خططت روسيا لعدد من الأحداث المتعلقة بالقارة الإفريقية لعام 2023.
أولاً وقبل كل شيء، تشمل الحدث الهام وهو القمة الروسية الإفريقية الثانية، التي ستعقد في سانت بطرسبرغ في تموز 2023 في ظل ظروف جيوسياسية جديدة ومواجهة شرسة، وحتى يمكن وصفها بالعدوانية من دول “الغرب الجماعي”.
في نيسان 2022، وافق مجلس النواب الأمريكي على مشروع قانون بعنوان “مكافحة الأنشطة الروسية الخبيثة في إفريقيا”، وينتظر الكونغرس تقارير من وزارة الخارجية حول أولويات روسيا في إفريقيا في مختلف المجالات، بما في ذلك المجال السياسي، أما في المجال الاقتصادي، تهتم أمريكا بمشاركة روسيا في “القطاعات الإستراتيجية” (في المقام الأول استكشاف واستخراج الموارد الطبيعية)، فضلاً عن التعاون في مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، كما تهتم واشنطن بشكل خاص بنشر القواعد العسكرية الروسية وأشكال أخرى من التعاون العسكري. وأيضاً، ينص مشروع القانون على معاقبة الدول الإفريقية من قبل الولايات المتحدة بسبب التعاون مع روسيا في مختلف المجالات.
وقد وصف وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مشروع قانون الكونغرس بأنه “استفزاز أمريكي”، وهو في الواقع يشهد على نهج واشنطن الاستعماري تجاه دول القارة الإفريقية، وقد أثارت هذه المبادرة التشريعية سخط زعماء عدد من الدول الإفريقية، فقد تحدث رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا، في لقاء مع بايدن، عن ظلم واشنطن لمعاقبة الدول الإفريقية على علاقاتها مع روسيا.
و قال رئيس الجمعية الوطنية في زيمبابوي، جاكوب موديندا، إن الدول الإفريقية ردت باشمئزاز على مشروع القانون الأمريكي لمواجهة ما تسميه “الأنشطة الخبيثة لروسيا في إفريقيا ” لأنه يعد تعدياً على سيادة ووحدة أراضي الدول التي تدعم روسيا.
إضافة إلى ذلك، ذكرت صحيفة واشنطن بوست أن مسؤولاً كبيراً في الإدارة الأمريكية قد أشار إلى أن الدول الإفريقية غير سعيدة عندما يتعلق الأمر بالعقوبات ضد روسيا.
في الفترة من 13 إلى 15 كانون الأول 2022، عُقدت أول قمة أمريكية إفريقية منذ ثماني سنوات في واشنطن العاصمة، وحضرها زعماء 49 دولة إفريقية وممثلون عن نحو ثلاثمئة شركة أمريكية وإفريقية ورئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، وقد حددت القمة الأهداف المتعلقة بعرقلة الوجود الروسي في القارة الإفريقية، فقد حاولت واشنطن إثبات أن التعاون مع الولايات المتحدة أكثر فائدة لإفريقيا من التعاون مع روسيا والصين.
إضافة إلى ذلك، تم الإعلان عن إطلاق برنامج واسع النطاق لجذب استثمارات في إفريقيا تتجاوز 150 مليار يورو للفترة السابقة حتى عام 2030، بما في ذلك الاستثمار الخاص والعام، وهذا البرنامج جزء من إستراتيجية الاستثمار الشاملة للبوابة العالمية الأوروبية.
يهدف المشروع إلى تعزيز دور الاتحاد الأوروبي في الدول النامية بشكل عام وفي الدول الإفريقية بشكل خاص، وتجدر الإشارة إلى أن هذه الإستراتيجية تعتبر وسيلة لمواجهة مبادرة الحزام والطريق الصينية.
كمثال على برامج التمويل الإفريقية، أو الطموحات الاستعمارية الأمريكية الجديدة، يعتبر الخبراء مشروع American Prosper Africa ، الذي تبنته إدارة ترامب في عام 2019 في قمة الأعمال الأمريكية الإفريقية في موزمبيق، بمثابة طريقة “لإخضاع القارة الأفريقية”، ويهدف هذا المشروع إلى تشويه سمعة سياسات الصين وروسيا في إفريقيا.
بما أنه لم يتم القضاء على الفقر المدقع في إفريقيا، فهناك العديد من المشاكل التي لا يزال من الصعب حلها بدون دعم “المانحين”.
إفريقيا مجبرة على قبول المساعدة من عدد من البلدان، بما في ذلك المستعمرون السابقون، وفي الوقت نفسه، يتفهم الأفارقة مدى تعقيد الوضع؛ يحاولون تنظيم العوامل التي تجعل إفريقيا تعتمد على الدول المانحة للتمويل والتكنولوجيا، والتفكير في الحاجة إلى الحفاظ على توازن القوى. لذلك، وعلى الرغم من محاولات الدول الغربية زيادة الضغط على إفريقيا، بما في ذلك “الجزرات” العديدة على شكل منح ووعود بالدعم المالي، فإن الاتصالات بين روسيا ودول القارة الإفريقية آخذة في التطور.
إذ تشير زيارات سيرغي لافروف إلى دول إفريقية، منها جنوب إفريقيا وإريتريا وأنغولا وإسواتيني ومالي وموريتانيا والسودان، حيث عقدت اجتماعات القمة، إلى اهتمام الجانبين بالتعاون، وأن قوة الجذب بين روسيا وإفريقيا لها جذور عميقة والتي لا تقتصر بالضرورة على مجال العلاقات المالية والتجارية والاقتصادية.
المصدر- منتدى فالداي