الثورة – خاص:
فجأة قامت الدنيا وقعدت .. وفجأة تعالت أصوات شريحة غير هينة من التجار والصناعيين والباعة .. وفجأة وجهت الدعوات لعقد لقاءات عاجلة وفورية وسريعة .. أما سبب تلك المفاجآت فهو التعميم الروتيني . ـ الدوري.. الاعتيادي الموجه من المديرية العامة للجمارك إلى مديرياتها الإقليمية لاتخاذ الإجراءات اللازمة وفق ما نص عليه القانون والتعليمات الناظمة لجهة ترصد وتضبط البضائع المهربة أينما وجدت والتنسيق والمتابعة مع رؤساء الضابطات والجهات الأخرى ذات الصلة «تحت طائلة المساءلة المسلكية».
التعميم في حيثياته وما بين سطوره لم يحمل أي رسالة تهديد أو وعيد، باستثناء تأكيد المؤكد، ألا وهو ضبط المواد المهربة «أينما وجدت»، خدمة وحماية للاقتصاد الوطني الذي كان من بين المستهدفين الأوائل من الحرب على سورية، والمتضرر الأكبر من زلزال «6 شباط» المدمر.
ما جرى داخل مجالس بعض التجار والصناعيين، ما هو إلا صورة مصغرة «طبق الأصل» لجملة التحركات السابقة والمكررة التي كان يخطيها البعض من داخل اتحادي الغرفة مع كلّ تحرك أو حملة تعلن عنها وتنفذها المديرية العامة للجمارك، التي أكدت في تعميمها الأخير أن عينها على البضائع المهربة «فقط لا غير»، وهدفها حماية الاقتصاد الوطني، والصناعة الوطنية، والمنتج الوطني، والتاجر والصناعي والمنتج والمستورد الوطنيين الذين يرجحون كفّة المصلحة العامة على حساب كلّ المصالح الأخرى المضرة والمسيئة لاقتصاد وتجارة بلدهم، وحقوق الخزينة العامة للدولة.
هذه الزوبعة التي حاول البعض إثارتها، يصعب على عاقل أو محايد كشف أسبابها ومبرراتها ودوافعها وغاياتها باستثناء المروجين لها ليس عبر القنوات الإعلامية والإلكترونية الرسمية والمرخصة، وإنما من خلال مواقع التواصل الاجتماعي والصفحات الفيسبوكية التي لا تكلف نفسها عناء ومشقة السؤال عن أي تفصيل خاص بسير عملية مكافحة التهريب، وإنما يتعمدون تناقل كلّ ما ينشر كما هو «بعبارات التشكيك والتهجم ..».
مصدر في المديرية العامة للجمارك أكد في حديث خاص للثورة أن مئات المليارات من الليرات «أكثر من 400 مليار ليرة خلال الربع الأول من العام الحالي فقط» التي تمّ تحقيقها، ومئات القضايا التي تمّ تسجيلها، وآلاف الأطنان من المواد والسلع « غذائية ـ صناعية ـ دوائية ـ إلكترونية ..» التي تمّ ضبطها بالجرم المشهود هي لأشخاص أو شركات لا يملكون الوثائق والبيانات النظامية التي تؤكد دخولها إلى القطر بطريقة مشروعة، وإنما غير مشروعة، وهذه جميعها تمّت بالتعاون والتنسيق المسبق والدائم مع اتحادي غرف التجارة والصناعة باعتبارهم شريكين حقيقيين في دعم الاقتصاد الوطني وحمايته من البضائع المشبوهة والمهربة والمضرة اقتصادياً وتجارياً وصحياً وأخلاقياً وحتى أمنياً، والضرب بيد من حديد على يد كلّ من يحاول العبث بطريقة أو بأخرى بأمننا الاقتصادي، وهذا دليل وتأكيد جديد على جدية الدولة في التعاطي بحزم وحسم مع ملف التهريب والمواد المهربة «أينما وجدت»، وتحصيل حقوقها كاملة غير منقوصة ولو ليرة واحدة.
وأضاف المصدر أن الحملة الوطنية الخاصة بمكافحة التهريب «أينما وجد» لم تتوقف يومياً حتى تستأنف نشاطها .. ولم تكن غائبة حتى تستعيد اليوم دورها وحضورها .. ولم تكن مخفية ليتم الإعلان عنها .. وليست عشوائية أو اعتباطية حتى يتم تحديدها بشكل حصري ومطلق بالمواد المهربة «فقط لا غير» .. ولم تكن موجهة في يوم من الأيام إلا ضد المواد والسلع المخالفة لعملية الاستيراد النظامية التي لا لبس فيها ولا غموض ولا مواربة ولا تزوير.
وأوضحت المصادر أن الحملة الوطنية للمديرية والخاصة بضبط البضائع المهربة أينما وجدت، ومصادرتها ما هي إلا جزء من خطّة عمل الحكومة مجتمعة باتجاه ضرب المهربين والمحتكرين بيد من حديد، مبينة أن هذه الحملة المستمرة منذ أكثر من ثلاث سنوات ومروحتها تمتد لتشمل كامل الرقعة الجغرافية السورية بدءاً من المنافذ الحدودية وصولاً إلى الأسواق والمحال التجارية والمستودعات والأقبية والمزارع والأبنية السكنية «داخل شقق فارغة»، مشيرة إلى التسهيلات الكبيرة المقدّمة للسيارات الشاحنة الكبيرة والصغيرة الناقلة للبضائع النظامية المجمركة داخل المدن من مستودعات التجار إلى محالهم، وهذا ما تعمل عليه الدوريات الجمركية في مديرية المكافحة بناء على التوجيهات الواضحة والحازمة بهذا الخصوص.
وأكد المصدر أن جميع المحاولات التي لجأ إليها بعض أصحاب الفعاليات التجارية..، لجهة إغلاق محالهم ومنشآتهم ..، ومحاولاتهم المستميتة للهرب من الدوريات الجمركية، وقيام البعض الآخر بإخفاء مواده المهربة في «المستودعات ، الأقبية »، ستبوء جميعها بالفشل لأن عناصر المديرية الذين يعملون وفق خارطة طريق واضحة المعالم والأهداف سيكونون لهؤلاء بالمرصاد لحظة فتح محالهم أو إعادة بضائعهم للتداول من جديد، متوهمين أن أسماءهم ومواقع محالهم أصبحوا بعيدين عن عين الرقابة الجمركية التي لن تقتصر آلية عملها على جولة أو زيارة واحدة للمحال التجارية وإنما ستكون مستمرة ودائمة، بهدف حماية الاقتصاد الوطني وتشجيع ودعم المنتج المحلي.
وأشار إلى أن التداعيات السلبية والخطرة للتهريب على صحة وسلامة المواطن، هي عينها التي تصيب الاقتصاد الوطني والخزينة العامة للدولة لجهة النزيف الكبير في كفّة الايرادات، وهي نفسها أيضاً التي ستسبب في خلق حالة من المزاحمة والمضاربة والمنافسة غير المشروعة والعادلة للمنتج الوطني السوري، وعليه بحسب المصدر جاء تحرك المديرية بكامل مفاصلها «مديرية، مكافحة، ضابطة، أمانات» وبشكل جماعي باتجاه استئصال هذه الظاهرة المضرّة اقتصادياً وتجارياً وصناعياً واجتماعياً وصحياً …وبشكل تدريجي وبخطوات سريعة، لضمان حقّ الدولة في كلّ ليرة ، وتمكين المواطن من الحصول على منتج آمن وصحي، لا سلع مشبوهة غير معروفة بلد المنشأ أو المصدر.
ونوّهت أن ضمان سرعة تحقيق الحملة لنتائجها الإيجابية مرهون بمدى تجاوب وتعاون جميع الجهات العامة ذات الصلة، جنباً إلى جنب مع المواطن وذلك لجهة الإخبار عن أي محل أو مستودع أو مخزن يحتوي مواد مهربة، باعتبار أن الهدف مشترك والمصلحة عامة، مشيرة إلى أن الاقتصاد الوطني خط أحمر والمديرية تقف صخرة صلبة في وجه رياح التهريب وأمواجه التي يحاول تجار الأزمات ركوبها في محاولة يائسة منهم لدس السم في دسم الاقتصاد والصناعة والتجارة الوطنية الذين كانوا ومازالوا العلامة الفارقة والمميزة على الرغم من كلّ ما تعرضوا من استهداف وتخريب ممنهج على يد العصابات الإرهابية المسلحة.
وحول القفزات التحصيلية والضبطية الكبيرة التي تمّ تسجيلها على مؤشر إيرادات المديرية العامة خلال السنوات القليلة الماضية أوضح المصدر أن جرعات الدعم الكبيرة التي تقدّمها الدولة وحزمة القرارات الحكومية المحفزة للقطاعين الصناعي والتجاري (العام منها والخاص) كان لهما الدور الكبير في تنشيط حركة الاستيراد وضبطها ضمن أطر وقوانين وقنوات رسمية واضحة لا لبس فيها ولا غموض، مبينة أن خارطة الطريق التي تعمل عليها المديرية ساهمت كثيراً في تضييق الخناق وقطع الطريق في وجه المهربين لا بل والمخربين للاقتصاد الوطني الذي دخل مرحلة الانتعاش والتعافي المبكر من أثار وتداعيات الحرب التي تتعرض لها البلاد منذ أكثر من 11 سنة.
وأشارت أن كلّ من يتوقع أن حملة مكافحة التهريب مؤقتة أو لحظية فهو واهم (أضغاث أحلام) مؤكدة أن الحملة مستمرة طالما أن هناك مهرباً واحداً يحاول مجرد المحاولة العبث من قريب أو بعيد باقتصادنا الوطني وإيرادات الخزينة العامة للدولة وحتى بصناعتنا وتجارتنا الوطنية مستمرة لحين القضاء وبشكّل كامل على هذه الظاهرة السلبية (الشاذة) التي تصبّ أولاً وأخيراً في جيوب ومصلحة المهربين الذين لا همّ لهم إلا كسب المال غير المشروع.
المصدر أكد وجود بعض الحالات التي يتم العمل حالياً على دراسة واقعها حالياً وتحديداً البضائع القديمة التي سبق استيرادها عبر القنوات النظامية والرسمية، لكن مالكيها وأصحابها فقدوا وثائقهم لسبب من الأسباب «الحرب، السرقة، الضياع، التلف ..»، لحصرها ووضع الضوابط القانونية اللازمة لها.
واضاف المصدر: أن أبواب وزارة المالية والمديرية العامة للجمارك مشرعة على مصراعيها لتلقي أي شكوى محقة ومثبتة لا كيدية، بحقّ أي موظف جمركي «إدارة أو ضابطة» مهما كانت صفته أو مرتبته الوظيفة، ومعالجتها بالسرعة القصوى، وإنزال العقوبة بحقّ الموظف المسيء «سوء تعامل، ابتزاز، رشوى»، لا من خلال عقوبة التنبيه والإنذار والحسم من الأجر فقط، وإنما تمتد وصولاً إلى كف اليد، والصرف من الخدمة عندما يكون الجرم المرتكب شائناً، منوهاً أن من صلب مهام عمل المديرية العامة للجمارك حماية التجارة والتجار والصناعة والصناعيين والاقتصاد والمواطن.
بدوره عضو غرفة تجارة دمشق محمد الحلاق اشار في حديث خاص «للثورة» إلى وجود مشكلة بالبيانات القديمة لبعض البضاعة، لا تؤخذ بعين الاعتبار وهناك لجان فنية بغرف الصناعة والتجارة شكّلت لهذا الموضوع ، حيث يوجد هناك مواد غير مهربة ويتم تغريم أصحابها لعدم وجود بيانات خاصة لتلك المواد التي كانت في المناطق غير الآمنة أو في المستودعات التي تمّ سرقتها ونهبها ، وأعطى مثالاً حول رافعة شوكية تمّ تغريم أصحابها رغم وجودها منذ أكثر من 25 سنة لعدم وجود بيان جمركي لها، مبيناً أن ارتفاع الغرامات الجمركية تؤثرعلى أسعار السلع والمواد وتنعكس سلباً على المستهلك، مطالباً بوجود منصّة واضحة عند حصول أي غبن من قبل الجمارك توضح وتفسر أي مخالفة.
وأكد أن التهريب آفة كبرى، وأن قطاع الأعمال يؤيد مكافحته، كون التهريب يؤدي إلى الكثير من المفاسد ويشوه في الأعمال وفي الحصيلة الضريبية والإساءة لقطاع الأعمال، وغيرها الكثير من الأمور السلبية الأخرى، مشيراً إلى أن مكافحة التهريب لا يمكن أن تنتهي، وهناك إجراءات كثيرة يمكن أن تتخذ بالتشاركية مع قطاع الأعمال تؤدي إلى زوال التهريب أولاً بأول، وهذه الإجراءات لا تتعلق بالجمارك وحسب، ولكنّها تتعلق بأسلوب ممارسة الأعمال وتبسيط إجراءات عمله من خلال تشريعات متناسقة ما بين جميع أطراف المعادلة الاقتصادية من اقتصاد وتجارة داخلية وشؤون اجتماعية، الخاصة بتسجيل العمال وأهمها الدوائر المالية والتحصيل الضريبي.
وقال : لابدّ من تناسق التشريعات التي نستطيع من خلالها التخفيف من اقتصاد الظل، وبالتالي زيادة الواردات الضريبية ومعرفة الأرقام الإحصائية بشكل صحيح، بما يؤدي حكماً إلى رسم سياسات حكومية اقتصادية ثابتة تشجع على الاستثمار، ومن المعروف لدى الجميع أن ازدياد التهريب يؤدي إلى إضعاف الاقتصاد، وانحسار التهريب من خلال تشريعات شفافة واضحة متناسقة، يؤدي إلى قوة الاقتصاد والاستثمار.
من جانبه قال الصناعي لؤي نحلاوي: « دعونا نسأل أنفسنا لماذا نتجه إلى التهريب» ؟ المشكلة أن سعر المواد المهربة أرخص من المنتج المحلي فعلى سبيل المثال سعر زيت المازولا لدينا أغلى من سعره في لبنان بـ 30%
وبين أنه لابدّ من معالجة الخلل في التشوهات الحاصلة بالتعرفة الجمركية وأن تكون الأصناف الجمركية مساوية لدول الجوار، مشيراً إلى أن الصناعيين ليسوا ضد مكافحة التهريب وإنما لابدّ أولاً: من ضبط الحدود كي يتم منع دخول أي سلع أو مواد مهربة إلى أسواقنا والحفاظ على المنتج الوطني.
بدوره الدكتور محمد خير عكام عضو مجلس الشعب وأستاذ التشريع الضريبي في كلية الحقوق بجامعة دمشق أشار إلى أن ليس كلّ تاجر مهرباً، فهناك شريحة غير هينة من التجار يرفضون فكرة التعامل أو حتى شراء المواد المهربة، مؤكداً أنه مع حسن تطبيق القانون الجمركي على الوجه الأمثل وعلى الجميع دون استثناء، وعدم استغلال أي موظف جمركي لمنصبه لأي غاية كانت، كما أن هناك بعض مواد القانون تحتاج لدراسة وإدراجها تحت بند التعديل لإخراجها بقالب مرن يحدّ من بعض التعقيدات التي تنص عليها بعض المواد.