الثورة – دمشق – وعد ديب:
توجهت الحكومة لزيادة سعر المازوت الخاص بالقطاع الزراعي والمنشآت الزراعية الصناعية، ومما لاشك فيه أن هذا التوجه له انعكاس على أهم قطاع في بنية الاقتصاد السوري؟.
يقول الخبير الاقتصادي- الدكتور في العلوم المصرفية والمالية نهاد حيدر في حديث لصحيفة الثورة: إن قرار زيادة سعر لتر المازوت الزراعي من 2000 ل.س إلى 5000 ل.س، يفاقم الوضع سوءاً، رغم التصريحات التي تؤكد أن الحكومة قد درست بدقة عدم التأثير الكبير لسعر المازوت الجديد على أسعار المنتجات الزراعية، بالإضافة إلى عدالة التوزيع على المزارعين وتخفيف حدة المتاجرة بالمازوت الزراعي.
ويتابع: من هنا الجميع يعرف أن المشكلة ليست سعرية بالدرجة الأولى، إنما تكمن في توفر الكميات المطلوب لهذا القطاع، والتي يؤمنها العاملون في القطاع عن طريق السوق السوداء مما أيضاً يفاقم أزمة الزراعة، فضلاً عن أن السوق السوداء تفوت على الحكومة الكثير من الأرباح.
ضعف الاستثمار الزراعي
ويرى الخبير الاقتصادي في قراءة لتصريحات المجلس الأعلى للاستثمار أنه من اللافت ضعف نسبة الإقبال على الاستثمار في القطاع الزراعي، إذ بلغت نسبة المشاريع الممنوحة لإجازات الاستثمار الزراعي 5% فقط مقابل 43% لقطاع النقل، و36% لقطاع البناء. وهذا يعكس عزوف المستثمرين والعاملين في هذا القطاع عن العمل فيه، بسبب عدم جدوى ذلك مقابل توفر البيئة المناسبة للاستثمار في بقية القطاعات، وإنصافاً لأصحاب القرار في التسعير.
قوى كثيرة
وبرأي الدكتور بالعلوم المصرفية والمالية فإن الخلل الواضح في بنية الاقتصاد السوري يخلق عجزاً في التأثير على توجيه دفة الاقتصاد بالشكل الذي يطمحون إليه، وخاصة مع وجود قوى كثيرة أخرى مؤثرة في السوق، مما يجعلهم أمام خيارات غير اقتصادية لا مفر منها.
النهوض بالزراعة يحتاج لأكثر من 17 مليار دولار
ورداً على سؤال “الثورة” عن متطلبات إعادة دوران القطاع الزراعي، أشار حيدر إلى أن القطاع الزراعي السوري اليوم يحتاج إلى استثمارات كبيرة لإعادته إلى ما كان عليه، حيث تقدر التكلفة المبدئية حسب تقديرات منظمة الأغذية والزراعة (FAO) لإعادة بناء قطاع الزراعة بنحو يزيد على 10.7 إلى 17.1 مليار دولار في المجمل، ورغم التحسن في الوضع الأمني عند مقارنته مع عام 2015، حيث أصبح المزارعون أكثر قدرة على الوصول إلى أراضيهم، لا نزال بعيدين عن تحقيق مستوى الأمن الغذائي الذي ساد قبل الأزمة.
ورغم إصابة هذا القطاع بضرر كبير، والكلام- للخبير الاقتصادي- كبقية القطاعات الاقتصادية الأخرى، مازالت بوادر تعافي هذا القطاع غير بادية في الأفق في غياب حل جذري مستدام للأزمة السورية، حل يعيد الثقة إلى الاقتصاد والمجتمع السوري، ويشجع على إعادة الاستثمار في ظل جو استثماري محفز. وماعدا كل ذلك فهو حلول مؤقتة وآنية تكاد تذبل مع غياب الشمس.
هامش
الجدير بالذكر أن القطاع الزراعي وفر الكثير من المواد الأولية لمختلف القطاعات الاقتصادية والصناعية الأخرى، وساهم في تشغيل الأيدي العاملة وتوفير العيش لأعداد كبيرة من الأفراد (50% من السكان يعملون بالزراعة بشكل مباشر أو غير مباشر منذ عام 1980).
المرتبة الثانية
هذا القطاع الذي يحتاج للدعم اليوم استحوذ تاريخياً على المرتبة الثانية بعد النفط، من حيث الإيرادات التصديرية في ميزان الصادرات السورية، فخلال العقود الأخيرة قبل الأزمة تمكنت الزراعة من تغطية الاحتياجات الناتجة عن زيادة السكان بمعدل أربعة أضعاف مما حسن درجة الاكتفاء الذاتي من القسم الأكبر من المواد الغذائية الرئيسية، وشجع الصادرات التقليدية مثل القطن بالإضافة إلى دخول أسواق تصديرية جديدة مثل القمح والخضار والفواكه.
آثار سلبية
وأوضح أن الحرب الإرهابية على سورية أجبرت الناس على مغادرة أماكن عيشها، هرباً من اعتداءات الاحتلال والمجموعات الإرهابية المسلحة، فبعثرت الأزمة آلاف المزارعين وانخفضت نسبة السكان الذين كانوا يعيشون في المناطق الريفية في عام 2011 إلى النصف مع حلول عام 2016، إضافة لخسائر فادحة في إنتاج المحاصيل والماشية، ودمار في نظم الري الزراعي، وتضررت مناطق زراعية واسعة.
كما ازدادت تكاليف المدخلات الزراعية مثل البذور والأسمدة والمبيدات والمازوت زيادة حادة، ناهيك عن استخدام طرق الري التقليدي في 70% من إجمالي المساحة المروية والتي تستنزف كميات مياه كبيرة، إضافة إلى ضعف المنظومة المؤسساتية التي تدير شؤون الزراعة والري.
أرقام وإحصاءات
وفي دراسة إحصائية حصلت “الثورة” عليها، تظهر أنه في عام 2010 بلغت الموازنة العامة للدولة 754 مليار ل.س (16.55 مليار دولار أمريكي بسعر صرف 47 ل.س للدولار)، وفيها زاد الإنفاق الاستثماري عن العام السابق له بنسبة 19%، بينما زاد الإنفاق الجاري بنسبة 4% فقط، وكانت الإيرادات النفطية 152 مليار ل.س، أي شكات 20% من قيمة الموازنة.
الوضع في عام 2021: بلغت قيمة الموازنة 8500 مليار ل.س (3.66 مليار دولار بسعر صرف 2200 ل.س تقريباً للدولار) وفيها بلغ الإنفاق الاستثماري 1500 مليار أي بنسبة 17.6% من الموازنة وبلغ الإنفاق الجاري 7000 مليار ل.س أي بنسبة 82.4% من الموازنة. كما بلغ الدعم الزراعي 50 ملياراً، أي بنسبة 0.58% ودعم المشتقات النفطية 2700 مليار أي بنسبة 31%.
وفي عام 2024: بلغت قيمة الموازنة 35500 مليار ل.س (2.53 مليار دولار بسعر صرف 14 ألف ل.س للدولار) وبلغ الإنفاق الاستثماري 9000 مليار ل.س، أي بنسبة 25% (زيادة 7% عن العام 2021)، وبلغ الإنفاق الجاري 26500 مليار ل.س، أي بنسبة 75% (انخفاض 7% عن عام 2021)، كما بلغ دعم الزراعة 75 مليار ل.س، أي 0.2% من الموازنة (انخفاض عن عام 2021)، وبلغ دعم المشتقات النفطية 2000 مليار ل.س، أي بنسبة 5.6% من الموازنة (انخفاض كبير جداً عن عام 2021)، ويبلغ إجمالي الدعم 6210 مليار ل.س أي ما نسبته 17.5% من الموازنة.
تراجع في الناتج المحلي
أمام تلك الإحصائيات نلاحظ أن انخفاض حصة دعم الزراعة بسبب توجيه الدعم نحو غير قطاعات، ساهم في جفاف هذا القطاع وقلة مساهمته في الناتج المحلي، كما يساهم ذلك في غلاء المائدة السورية، في وقت يعاني العاملون من انخفاض الرواتب والأجور بشكل كبير، وهذا يفاقم مشكلة الفقر، ويعزز أزمة الأمن الغذائي.