الثورة – ديب علي حسن:
في عالم شديد التوتر والتغير ات السياسية والفكرية والاقتصادية، وصراعه الأشد والأكثر حدة هو العقل والبنية المجتمعية ومحاولة غزو العقول وسلبها لتكون قيد التشغيل الذي تريده القوى الغربية المستغلة لكل فنون وأساليب العلم والإبداع والعمل من أجل الغزو الفكري.
وهي لا تخفي ذلك، بل تعلنه عبر أدوات فتاكة مغرية يظن من يتابعها أنها البلسم الذي ينقذ البشرية، ولكن ما وراءها كمصطلحات وإيديولوجيات يخبيء الكثير، ولعل أوله تمزيق الهوية لأي مجتمع، ومن المعروف أن الهوية تشمل اللغة والثقافة والعادات والقيم والإنجازات الثقافية والفكرية والحضارية، وهي كما يعرفها علماء الاجتماع ( وعيك ما أنت عليه الآن ) أي أن يعي مثلاً الإنسان العربي أنه محاصر من قبل الاستعمار الغربي، وأن الكيان الصهيوني يهدد وجوده، أن ثمة من يعمل على تخريب وطنه، واغتيال مستقبله، هذا يعني أنه يعي واقعه السياسي والفكري والاجتماعي، ويدفعه لمقاومة العدوان عليه، والانغراس في هموم وطنه وتفعيل قيم شعبه، والعمل بروح التضحية والفداء، لهذا تعمل المؤسسات الغربية على تشويه الهوية وتمزيقها، وقد عبر عن ذلك السيد الرئيس بشار الأسد ونبه إلى خطورته، فحين التقى أدباءً وكتاباً عرباً قال:
(إن “أخطر ما يمكن أن تتعرض له المنطقة العربية هو ضياع الهوية، وإن ما يحصل في سوريا هو ليس حرباً عليها بالمعنى الضيق، بل لابد من أن نرى هذه الحرب بالمعنى الأكبر وهي الحرب على الانتماء”. وأضاف أن “جزءاً من الحرب التي نتعرض لها تتعلق بالمصطلحات التي يتم تسويقها من قبل الغرب، ومن الضروري أن نعيد تركيب هذه المصطلحات بالمضمون الذي يتناسب مع فكرنا وانتمائنا ومع العروبة بمعناها الحضاري العام والشامل).
والانتماء الذي يجب أن يتعمق ويبقى راسخاً، لايعني الانفصال عن متابعة معطيات العلم والثقافة والحضارة، بل الانفتاح على ذلك كله مع الاحتفاظ بالجوهر الذي ننطلق منه، ونتفاعل به.
وأضاف الرئيس الأسد: (وعندما نقول الانتماء القومي.. فالانتماء القومي بشكل طبيعي يشمل التاريخ والجغرافيا وكل هذه الأمور.. وبالتالي ضرب هذا الانتماء يعني ضرب خط الدفاع الأول الذي نمتلكه كمجتمع في وجه أي محاولات لغزو ثقافي أو فكري يهدف إلى تحويلنا إلى مجرد آلات مسلوبة الإرادة نتحرك بحسب ما يخطط لنا من الخارج.. لكن بنفس الوقت كما أن هذا الربيع العربي بحسب التسمية المستخدمة من قبل الأعداء.. كان يهدف لضرب الانتماء.. لكن في المقابل لولا ضعف الانتماء القومي ولولا ضعف الشعور القومي لما تمكن هذا “الربيع” من الانطلاق في منطقتنا العربية لأن جزءاً من شرائح أو شرائح من مجتمعاتنا العربية مع كل أسف وعبر الزمن.. عندما فقدت هذا الانتماء كانت جاهزة للذهاب باتجاهات أخرى )
وفي الداخل تقع على الجميع مسؤوليات كبيرة لا يمكن لأحد أن يكون خارجها بدءاً من الأسرة إلى المدرسة، هو البناء الثقافي والمعرفي الذي يصون الجميع، والثقافة تحملها اللغة التي نتكلمها، وهنا يقول السيد الرئيس بشار الأسد:
(هناك جانب أخير أمرّ عليه.. لا علاقة له بالسياسة ولا بالمؤامرات.. ولا بأي شيء.. له علاقة باللغة.. العروبة هي حالة حضارية وأهم شيء في الحالة الحضارية هو الثقافة التي تحملها.. والثقافة تعبر عنها اللغة.. كيف يمكن أن نعبر عن ثقافة ونحاور ضمن هذه الثقافة أو مع ثقافات أخرى دون لغة.. دون اللغة تتحول الثقافة إلى مولدة كهرباء كبيرة تولد الكثير من الكهرباء ولكن لا توجد أسلاك لكي تنقل هذه الكهرباء باتجاه المدينة أو المعامل أو أي مكان آخر.. هذا هو وضعنا الآن في ظل “عولمة الانترنت”.. وأنا أتحدث الآن عن الجيل اليافع الذي بدأ يفقد اللغة.. وفقدان اللغة هو فقدان للارتباط.. أو بشكل أدق هو حالة غربة عن الثقافة التي ينتمي إليها هذا الإنسان.. هذه نقطة لا بدّ من التفكير بها.).
فالاغتراب عن الثقافة الوطنية والقومية يعني بالضرورة الضياع والتشظي وبالتالي فقدان الهوية، وقدرة العدو على استلابنا فكرياً وثقافياً وبالتالي استلاب أوطاننا، لذا فإن خط الدفاع الأول كما أكد أيضاً في اللقاء نفسه، هو خط دفاع فكري وثقافي، فالحرب فكرية وثقافية، وما تم تدميره من بناء يرمم، ويعاد بناؤه، لكن متى ما تم تدمير الإنسان استطاع العدو الاختراق وتقع الكارثة التي تغرقنا وتغرق الأجيال القادمة كما أشار إلى ذلك في كلمته في مؤتمر قمة جدة:
هذه الاستراتجية التي تضع الأمة وأجيالها على درب الخلاص من الواقع الحالي والعمل من أجل المستقبل، هي الملاذ، ولايمكن الركون إلى الغد دون أن تكون واقعاً عملياً يجب العمل على تنفيذه على المستويات كافة، وليس في قطر عربي واحد وإنما في الأقطار العربية كافة.
من هنا نقرأ النصر السوري على الإرهاب بناءً على ترسخ من رؤى هذه الاستراتجية التي تؤمن بالإنسان والوطن، وتعلي شأن الإيمان الحقيقي لا المزيف، والشعاراتي، وكم كانت جملة السيد الرئيس بشار الأسد ذات يوم حين قال (سورية الله حاميها ) كانت معبرة ومختزلة للدلالات، فالله يحمي من يؤمن بوطنه ويعلي الإنسانية، ويعمل لرفعة الإنسان وكرامته، ويزرع النور في دروب الغد، هذا هو الإنسان السوري الحقيقي، ولهذا فسورية (الله حاميها ).
