الملحق الثقافي- عبد الحميد غانم:
تعد الذاكرة الوطنية إحدى أشكال الذاكرة الجمعية التي تُحَدِّدُهَا التجارب والثقافات المشتركة لأمة من الأمم، وهي جزء لا يتجزَّأ من هويتها الوطنية.
كما تمثل إحدى أشكال الذاكرة الثقافية التي تقدم مساهمة جَوْهَرِيَّة في تَمَاسُك المجتمع.
وقد اعتمدت المجتمعات الوطنية عبر التاريخ في تشكيل رواياتها المشتركة للأحداث على الرموز الثقافية التاريخية، من المعالم، والأساطير، والطقوس الدينية، والأحداث التاريخية الخاصة بها.
واستنادًا إلى الباحثة لورين رايان، فإن الذاكرة الوطنية مبنية على رد فعل المجتمع وكيفية استقباله للروايات الوطنية للأحداث التاريخية، وكذلك على قدرة الناس على تأكيد مشروعية تلك الروايات.
أما الذاكرة الثقافية فتتكون من المعالم القيمة في تاريخ الأمة، فهذه المعالم هي القادرة على تعزيز الشعور بالانتماء على المستوى الوطني، وكذلك التأثير على الحاضر والمستقبل.
وتعرف الذاكرة الثقافية بأنها عملية تذكر الأحداث التي تتعلق بالأشياء والأماكن، والتي يصادفها الأشخاص في إطار اجتماعي.
ويُنظر إلى الذاكرة الجمعية على أنها مخزون ثقافي، وأحيانًا تؤدي هذه النظرة إلى استخدام مصطلح «الذاكرة الثقافية».
ظهر مصطلح الذاكرة الثقافية لأول مرة في الأدب على يد موريس هالبواكس في كتابيه «الأطر الاجتماعية للذاكرة» وكتاب «الذاكرة الجمعية».
تأسس فهم هالبواكس للذاكرة الثقافية على التمييز بين الذاكرة الفردية والذاكرة الجمعية، فوصف الذاكرة الفردية بأنها «شخصية» و»سيرة ذاتية» للفرد.. في حين أن الذاكرة الجمعية «اجتماعية» و»تاريخية».
وبعد تقديم هالبواكس للمفهوم، درس بيير نورا الذاكرة الجمعية المكانية.. وكان نورا مهتمًا بشكل خاص بالبيئة الجغرافية والعمرانية.
وناقش نورا كيف يمكن لأماكن معينة التقاط مشاعر مختلفة وتجسيد الذكريات الوطنية.
لكن كيف تحافظ الذاكرة الثقافية على الهوية؟
تساهم الذاكرة الثقافية في تحديد الهوية من خلال حماية مواقع الأحداث المهمة (مثل المعالم أو المباني الأثرية)، وتعزز تلك المواقع مشاعر الاستمرارية والتميز.
وباعتبار أن احد أهم مكونات الهوية هي الثقافة، كما أن أحد أهم مكونات الثقافة هو التوثيق و حفظ التراث، والذي يؤكد الخصوصية، وهو لايتعارض أبداً مع الحداثة، بل هناك ضرورة للتوازن ما بين الحداثة و التراث، وهذا ما يحفظ الشخصية الوطنية، ومن جهة أخرى فإن التوثيق يحقق التواصل ما بين الأجيال، فهو يمثل علاقة المجتمع بحضارته الأساسية، فالتوثيق ينبه الإنسان، إلى خصوصية حضارته.
ولا يُمكن للأمم أن تحفظ ذاكرتها دون أن تفكّر في تاريخها، ولا يصنع هذا التاريخ خارج عمليات التوثيق المختلفة، فمنذ القديم سارعت الحضارات إلى الاهتمام بتسجيل حياتها ووقائع مسيرتها في السّلم والحرب، في البناء والتطوير.
وباعتبار الوثائق التاريخية أنها تمثل ذاكرة الوطن، والتوثيق يُوصِّفها ويصنفها ويفهرسها ويحفظها للأجيال لأنها تمثل ركناً مهماً في القاعدة التي ترتكز عليها الهوية الوطنية، وهي تحوي في طياتها الحقيقة التاريخية، وحيثما وجدت الوثيقة وجدت المعلومة التاريخية الموثقة.
وتشكل الأرشيفات مكانة هامة في حياة الأمم والشعوب، فهي رصيد حي يتأسس عليه تاريخها وحضارتها وتقوم الوثيقة في هذا الأرشيف بدور وسيلة الإثبات المادية للحوادث والوقائع التاريخية.
العدد 1147 – 13-6-2023