أ. د. عبد الله المجيدل:
العلماء في هذا المجال يؤكدون أهمية السنوات الأولى من عمر الطفل في تكوين شخصيته لاحقاً، إذ ينمو حوالي 80% من دماغ الطفل في السنوات الثلاث الأولى، وحوالي 90% في عمر الخمس سنوات، وقد لوحظ أن الطفل السوري يأتي إلى المدرسة وقد تشرَّب مجمل قيم الانتماءات الفرعية.
وكي نكرِّس تلك القيم، ونبدأ بتكريس الانتماء الوطني الذي هو أهم الانتماءات لدى أطفالنا أقترح العمل على التربية الأسرية أولاً.
وأما المقترح الإجرائي فينطلق من الخطوات التالية:
فالمدرسة أكثر مؤسسة مؤهلة للتواصل مع المجتمع، إذ لابد من أن تخرج عن أسوارها نحو الأسرة.
وأيضاً تخصيص يوم السبت لتواصل المعلمين مع الأسر وفق برامج معدة بأجر إضافي، مثلما كان دور المعلم قديماً ولاسيما في الأرياف، إذ كان مرجعية القرية في كل شيء.
وكذلك إدماج مرحلة رياض الأطفال في السلم التعليمي الإلزامي، مع تطبيق التغذية المدرسية.
وهنا ربما يكون اقتراح إنشاء مؤسسة العلماء الصغار وجعل مقراتها في المحافظات بما يسمى في الاتحاد الروسي بقصور العلماء الصغار، فكرة ناجحة، بحيث تتضمن مخابر علمية، ومستلزمات الأنشطة البحثية والعلمية الإثرائية وصقل المواهب والحساب الذهني وأنشطة مجتمعية ووطنية محببة وغير ذلك، إذ أظهرت الأزمة ضرورة قيامنا بدور أكبر في بناء قيم المواطنة.
وأما مرحلة التعليم الأساسي فمن المطلوب بل الملح الحاجة للتغيير في التربية تبدأ من إعادة النظر في إعداد المعلم بوصفه المكون الأكثر أهمية في العملية التعليمية وتأهيله لتنفيذ الأنشطة التفاعلية، وطرائق التعلم النشط، والمهارات الحياتية المعززة للتعبير عن المواطنة سلوكياً (النظافة، المحافظة على الممتلكات العامة، ترشيد استخدام المياه الكهرباء..الخ) الضبط الذاتي للسلوك الصادر عن الذات دون الحاجة لضبط خارجي.
وكذلك التغيير في دور المدرسة النمطي، والتفاعل مع المجتمع، والتعاون مع الأهالي في تنظيم يوم نشاط في كل أسبوع لتنفيذ حملة نظافة مثلاً، تنظيم حديقة، زراعة كل مواطن لشجرة في برنامج لعله يكون سورية الخضراء على سبيل المثال، وغير ذلك بحسب كل بيئة من البيئات.
وإدخال مادة الأخلاق في المناهج المدرسية فالمواطنة مفهوم أخلاقي قبل كل شيء، والتركيز في هذه المادة على نشر العبارات الطيبة بين الأطفال وليس العبارات النابية التي لا نلاحظها في الشارع كثيراً.
وأيضاً التعليم الجامعي بحاجة إلى تغيير بنيوي في الهيكلية والأداء والمدخلات والمخرجات لمواكبة آخر التطورات في العالم
وفي مجال الإعلام علينا اعتماد المتخصصين في علم النفس الإعلامي في الإشراف على البرامج، كي يبتعد الجمهور عن آفة التعميم، فعندما تعرض وسيلة إعلام مخالفة فردية أو فساد موظف تبادر سيكولوجية الجمهور للتضخيم والتعميم بأن كل المؤسسات فاسدة، فالإعلام هنا عليه معالجة المسألة قبل تضخيمها، وهذا ينعكس على شعور الانتماء والمواطنة.
وأخيراً في التربية الدينية يمكن للمؤسسات الدينية كإحدى مؤسساتنا المدنية الوطنية أن تقوم بفعاليات متعددة تساهم في بناء قيم الانتماء الوطني، وعلى سبيل المثال لا الحصر يمكن أن يقوم كل مسجد بتنظيم يوم نظافة للحي الذي يتوسطه على قاعدة “النظافة من الإيمان” ويوم للعمل ويوم لفعل الخير والعطف على الفقراء، إضافة لدوره في نشر الأخلاق الفاضلة المطلوبة، وهكذا دواليك.
* أستاذ في كلية التربية بجامعة دمشق