الثورة – حسين صقر:
كثيرة هي المقالات التي كتبت عن وسائل التواصل ودورها في بناء العلاقات الاجتماعية وتجديدها وإحيائها، وفي ذات الوقت عن تدمير كثير من القيم والمبادئ وتسببها بانهيار البنيان الأسري.
لكن ورغم ذلك من غير المنصف أن نقول: كان دورها هداماً أو بناءً وذلك، حسب نوع استخدامها وطريقة التعاطي معها، حيث عن صفحات مواقعها وصلتنا الكثير من المعلومات والحضارات والثقافات والمعارف، كما عن طريقها خسر الكثيرون بعضهم نتيجة قصة أو حالة أو منشور أو مقالة وخاطرة.
على تطبيقات التواصل هناك كلمات أو إشارات تدل أن الشخص متصل بالشبكة العنكبوتية، ومن هذا المنطلق بدأت أحكام الناس العرفية تطلق على بعضهم البعض لمجرد رؤية تلك الإشارة أو الكلمة، وبدلاً من البحث عن أعذار والتماسها لذلك الصديق أو الأخ أو مهما كانت طبيعة العلاقة مع هذا أو ذاك، بدأت مؤشرات الحساسية بالارتفاع، واتخاذ المواقف بدأ يتصاعد دون سابق إنذار.
فالنقطة الخضراء الخاصة بتطبيق الماسنجر، ليست دليلا على أن الشخص مرابط على هاتفه، فلا تجعلها سبباً لإساءة الظن بأصدقائك، لأن تلك النقطة تعني أن الجهاز مرتبط بالإنترنت فقط و ليس بصاحب الهاتف، وبالتالي لا يلزم وجودها وجود الشخص، وهي بالنتيجة مجرد ضوء أخضر يراه أي كان و لكنه لا يرى الصديق أو الأخ، وعلى فرض أنه موجود بجانب الهاتف، فقد يكون مشغولاً بأمر ما أو يتحدث بأمر خاص مع أحد، أو يمكن أن يكون له مسافر أو مريض أو غائب لأسباب مختلفة، و الهاتف يتنقل بين أيدي أفراد العائلة، لسبب أو لآخر، كأن تكون الأجهزة الأخرى ليس عليها شبكة أو بيانات أو مغلقة مثلاً بسبب نفاد الشحن، أو لا تغطية عليها.
التمس لأخيك أو صديقك أو زميلك أو جارك أو حبيبك عذراً، ولاتسىء الظن بأحد، لأنك لا تدري بما أنا منشغل، ولا تعرف مكاني، ولا مع من أجلس، ولا أنت عالم بحالتي و مزاجي وصحتي ومشاعري والقائمة تطول.
و حينما أقرأ رسالتك في الماسنجر أو الواتس أب، أو على أي تطبيق، ولا أرد عليك في الحال، لا يعني أبداً أنني غير مهتم برسالتك أو أنني لم أعطيك اهتماما، بل ربما اللحظة التي قرأت فيها رسالتك لم يكن بإمكاني الرد بسبب وجودي في ظرف لا يسمح لي بالرد الفوري، وعلى الفور بدل أن أن تكيل لي الاتهامات يجب أن تبحث لي عن الأعذار بأنني غير مستعد أو جاهز لتجاذب أطراف الحديث أو ربما الرد ولو بكلمة، فقد يكون أمراً ضرورياً قد حصل أو ضيفاً مفاجئاً جاء أو خبراً مزعجاً تسبب بمنعي عن الرد.
عوامل كثيرة بالطبع تقبع وراء سوء أو حسن الظن هذا، أولها الثقة وثانيها قوة العلاقة الاجتماعية وثالثها تقدير ظروف الآخرين، لأن تلك العوامل أقوى بكثير من أن تُنهيها نقطة خضراء، وعبارة فلان نشط أو متصل الآن، أو آخر ظهور، لذا يجب أن يكون الشخص رفيقاً بمعنى الكلمة ويلتمس الأعذار دوماً بشكل دائم، خاصة وأن أشخاصاً كثيربن انقطعت علاقاتهم عن بعضهم لهذه الأسباب، وظنوا سوءاً بأحبابهم ومن تربوا معاً وعاشوا أياماً بحلوها ومرها، فكيف لإشارة خضراء أو زرقاء أو كلمة تباعد بينهم.