الثورة – ديب علي حسن:
ثمة من يرى أن الحياة الثقافية والفكرية العربية قد تراجعت عما كانت عليه, لأن النقد الفكري والأدبي لم يعد موجوداً, وتحول إلى مماحكاة لا يمكن أن تثمر, وليس هذا فقط بل إن النقد صار مراوغاً, لا قيمة له, ذهب إلى المصطلحات التي يحشدها من يدعون النقد, وتهويمات لا أحد يعرف أين تصب, وكيف تصرف.
هذا النقد هو غير النقد الثقافي والاجتماعي الذي غدا علماً بحد ذاته, وهنا علينا أن نتذكر النقاد العرب المتميزين من محمد مندور إلى العقاد إلى مارون عبود وميخائيل نعيمة الذي شغله النقد والتنظير له, فهو حسب رأيه في كتابه دروب (النقد هو عمل الحياة الدائم, إذ يقول:
(ما من شك في أن مستوى النقد يرتفع ويهبط بارتفاع مستوى النتاج الأدبي وهبوطه فالأدباء الكبار يمهدون الطريق للنقاد الكبار. ولا أعكس فأقول إن النقاد الكبار يمهدون الطريق للأدباء الكبار. فالعبقرية الحقة تشق طريقها بقدرتها لا بما يقوله فيها مادح أو قادح. وهل في استطاعة نقاد العرب مجتمعين أن يخلقوا متنبياً واحداً أو أن يحولوا دون خلقه؟؟. أم هل في استطاعة جميع نقاد الفرنجة أن يأتونا بشكسبير آخر؟؟.
وإذا قام شكسبير آخر فهل في مستطاعهم أن يطفئوا الشعلة التي في صدره؟؟. ولو أن كل من في الأرض من نقدة حاولوا أن يجعلوا من شويعر شاعراً ومن كويتب كاتباً أو أن يسدوا السبل على الكويتبين والشويعرين فلا يقتحمون حومة الأدب لباؤوا بالفشل من غير شك أما كبار الكتاب والشعراء فقد خلقوا نقدة كثيرين ما بين كبير ومتوسط وصغير مثلما خلقوا الكثير من المقلدين والطفيليين.
تراجع عالمي
وتراجع النقد الحقيقي ليس في الوطن العربي فقط بل في العالم كله, يرى جودت هوشيار الناقد العراقي المتابع للإبداع الروسي أن ثمة أزمة في النقد الذي غدا يروج للزائف, وهو نقد مخاتل:
(النقد الأدبي هو تحليل النص الإبداعي ولغته وأسلوبه، واستجلاء جوانبه الإيجابية والسلبية، ومن ثمّ تقييمه.
ولكنني أقرأ مقالات لنقاد معروفين في الوسط الأدبي زاخرة بمصطلحات ومقتطفات فكرية وفلسفية، وتكيل المديح لروايات صادرة حديثاً في العراق والعالم العربي.
وعندما أقتني تلك الروايات وأقرؤها أجدها روايات هزيلة القيمة الفنية، من حيث الرؤية والبناء الفني وأصاب بخيبة أمل، لأنني ضيّعت وقتي في قراءتها.
ومما يؤسف له أن النقد المنافق، أصبح ظاهرة طاغية في العالم العربي، وأصبح الكتاب الأدبي سلعة، يروج لها أصحاب مصالح غير بريئة، ونشأت علاقات نفعية بين الكاتب، ودار النشر، والناقد المزعوم.
مثل هذا النقد المجامل المزيف، الذي يرى في روايات هابطة ما لا يوجد فيها تضليل للقارئ، ويلحق أبلغ الضرر بتطور الرواية العربية).
نعم النقد هو عمل الحياة الدائم, ومن يمارس النقد لا يعني بالضرورة أنه يعمل بروح الهدم أبداً بل إنه ينطلق من الثقة أن التأسيس لأي عمل يجب أن يكون على أسس وقواعد متينة, هو يرى الخلل الذي يصيبها, وبالوقت نفسه يعمل على شرح جماليات ما ينقده, إذا كان نعيمة يرى أن الكتاب الكبار يمهدون للنقاد الكبار, فإنه من الصحيح القول الآن إننا أمام أزمة في النقد والإبداع, لأن الجميع مستعجل, ويريد الشهرة الزائفة التي تحدث عنها هوشيار, إنه النقد المراوغ, ولهذا تبدو الثقافات مجرد قشور في الكثير من جوانبها, أما الجوهر فما زال ينتظر الكبار نقاداً ومبدعين.