الثورة – محمود ديبو:
تساهم ظروف الركود وتباطؤ دورة رأس المال شيئاً فشيئاً في إخراج الكثير من المنشآت الخدمية والتجارية والإنتاجية من سوق العمل، ليس الضعيفة منها فقط وإنما أيضاً المنشآت القوية التي قد تصمد أكثر من غيرها لكنها ستتهاوى لاحقاً في حال استمرت ظروف الركود الاقتصادي.
واليوم تبدو ملامح هذا الركود حاضرة من خلال تكدُّس البضائع والسلع والمنتجات وحتى الخدمات لدى مختلف حلقات العملية التجارية بما فيها أيضاً حلقة الإنتاج، وتراجع مستويات التصريف إلى حدود غير مسبوقة حتى في المواد الغذائية اليومية كالخضار والفواكه وكذلك الزيوت والسمون، وتزداد نسب تراجع البيع بباقي السلع كالأدوات المنزلية والكهربائية وغيرها بسبب تراجع الطلب عليها نتيجة ضعف القدرة الشرائية من جهة وارتفاع أسعارها إلى مستويات غير مقبولة من جهة ثانية، وهنا يعزو البعض هذا الارتفاع إلى التغيرات اللحظية على سعر صرف الليرة السورية مقابل العملات الأجنبية وتأثر الأسعار بهذا التغير صعوداً..
هذا الركود والتباطؤ في تصريف المنتجات والخدمات سيكون له طيف واسع من التأثيرات السلبية على كافة الأطراف سواء أصحاب عمل أو عمال أيضاً، فمع أول إغلاق لمنشأة تجارية أو سياحية أو أي من أنواع الخدمات والأعمال التجارية سيؤدي هذا بالضرورة إلى صرف العمال وخسارتهم لمصادر رزقهم على محدوديته، وكذلك صاحب العمل سيتأثر بتوقف منشأته وهي أيضاً مصدر عيشه.
وبالفعل بدأنا نشهد سلسلة إغلاقات لعدد من المحال التجارية المستأجرة بسبب أن مالكيها طالبوا المستأجرين بقيم آجارات عالية لم تعد تتوافق مع حجم أعمال تلك المحال والسبب يعود إلى تراجع الطلب الواضح على المستلزمات المعيشية بكل تفصيلاتها..
وهنا نكون أمام عامل جديد ومؤثر من عوامل إغلاق المحال والمنشآت المستأجرة والتي تراجعت أعمالها، لكن مالك المحل التجاري وبسبب التغيرات الحاصلة بسعر الصرف وبسبب ارتفاع الأسعار وجد نفسه مضطراً لطلب أجرة أعلى من المستأجر، الأمر الذي ساهم بشكل كبير في اتخاذ قرار الإغلاق من قبل المستأجر حتى يوقف خساراته الكبيرة التي بدأت بارتفاع الأسعار وتراجع الطلب على الشراء، وانتهت بطلب قيمة عالية لأجرة المحل الذي يشغله..
وهنا أيضاً نكون أمام إغلاق مصدر عيش لفرد أو عدة أفراد يتشاركون العمل التجاري في ذاك المحل المستأجر.
إذاً وأمام هذا نجد أنه إذا كانت الشكوى اليوم من عدم تناسب الأجور مع مستويات الأسعار في الأسواق المحلية، فقد نجد أنفسنا في مرحلة قادمة أمام مشكلة أعقد وهي انعدام الأجور تماماً بسبب خسارة هؤلاء لمصادر عيشهم.
ونحن هنا لا نتنبأ ولا نتوقع وإنما هناك حالات على أرض الواقع بدأنا نشهدها، وهناك من اضطر لإغلاق محله أو منشأته المستأجرة، وقد لا يطول الوقت لنرى أصحاب أعمال يملكون محالهم لكنهم اضطروا لإغلاقها لوقف خساراتهم..
وكلما طالت المدة على التحرك باتجاه إنجاز الحلول الموعودة، كلما كنا أمام تعاظم المخاطر على المجتمع والأفراد، بسبب تعقد المشكلات وتشعبها وتشكل مشكلات جديدة ستنشأ حكماً بسبب التأخر في المعالجة..
فإن كان هناك من يحرص على عدم الوصول إلى مزيد من النتائج السلبية وتعرض المجتمع لضغوط اضافية فمن باب أولى أن يتم المباشرة في اتخاذ الخطوات اللازمة لوقف التدهور الحاصل بمختلف الملفات والتي أهمها سعر الصرف، وتدني الأجور، إلى جانب التعليمات والنصوص المرتبطة بالنشاط التجاري والخدمي الخاص والعام على حد سواء.