الثورة _حسين صقر:
معروف للجميع أن الرياضيات تشكل جانباً أساسياً في حياتنا، حيث يساعدنا فهمها على قياس العالم من حولنا ومقارنته ومعرفته، وتستخدم كل يوم وبكل الطرق تقريباً، مع أن الكثير من الناس لا يدركون ذلك، حيث تشارك الرياضيات في الفن والموسيقا والعلوم والتكنولوجيا، وهناك الكثير من الناس يقولون: إن الرياضيات لا أهمية لها و لا فوائد، و بعضهم مخطئون تماماً، لأن لهذه المادة الكثير من الأهمية و الفوائد، وفي منهاج الثانوية العامة تشكل خمس علامة المجموع العام تقريباً وعلى أساسها يتحدد مصير ومستقبل أي طالب، ولهذا تشكل مصدر خوف لمعظم الطلاب، بينما يعشقها القسم الآخر.
«الثورة» التقت الدكتور هاشم إبراهيم أستاذ مناهج وطرائق تدريس الرياضيات في كلية التربية بجامعة دمشق
والذي عرف المادة قائلاً:الرياضيات علم الدراسة المنطقية لكم الأشياء وكيفها وترابطها، كما أنه علم الدراسة المجردة البحتة التسلسلية للقضايا والأنظمة.
أهميتها
وعن أهمية الرياضيات أجاب إبراهيم: لايختلف اثنان على أهمية هذا العلم والحاجة إليه «حتى لو كان السواد الأعظم يكرهونه»، لأن الرياضيات تتمتع بأهمية خاصة، فهي مادة غنية وثريّة بصورة لا تعادلها أي مادة أخرى في دقتها وقوة منطقها وشدة تناسقها وإمكانية تطبيقها، ولها تطبيقات واستخدامات مهمة في جميع ميادين المعرفة ومجالات حياة الناس كافة، ومن هنا دعيت الرياضيات: «أم العلوم وملكتها».. والرياضيات هي أهم وسائل تقدم المجتمع البشري ورقيه، لذلك ارتبط التقدم في التفكير بتطورها، ومن خلال التفاعل بين عقل الإنسان والفكر الرياضي جرى تمهيد السبيل للثورات العلمية والتقنية «التكنولوجية» المتلاحقة.
تطوّر منهاج الرياضيات
وتابع إبراهيم، وفي ضوء هذه الأهمية والحاجة الملّحة إلى الرياضيات، بدأ الاهتمام يتركز على تطوير منهاجها وتوظيف آخر ما توصلت إليه النظريات التربوية في تنظيم تدريسها على أساس مراحل تطور النمو الفكري-العقلي للمتعلّم بالإضافة إلى التنظيم المنطقي «الحلزوني» لمحتوى مادة الرياضيات ذاتها.. كما أوصت هذه النظريات بتبني استراتيجيات وطرائق وأساليب تدريس، ووسائل تعليمية وتقنية حديثة، وبالابتعاد عن اتباع طريقة التلقين والحفظ دون فهم، والتركيز على بناء وتنمية المفاهيم الرياضية.. ومن هنا تأتي أهمية إقرار وثيقة المعايير الوطنية لمناهج التعليم العام ما قبل الجامعي من قبل وزارة التربية في الجمهورية العربية السورية في عام 2006 وإقرار مناهج على أساسها، في إطار تطبيق مدخل المعايير المعرفي ثم تطويرها عام 2016، واشتقاق مؤشرات الأداء « مخرجات- مستويات التعلّم بعناية وبدقة من المعايير الموضوعة، وذلك لتحديد ما سيكون المتعلّم قادراً على معرفته أو أدائه أو تكوين اتجاهات إيجابية نحو الرياضيات، في كل سنة أو فصل أو حصة دراسيّة. وقد جرى إعداد منهاج الرياضيات وتدريسها باستخدام الأعداد العربية بدلاً من الأعداد العربية- الهندية، وكذلك الرموز والمصطلحات المتعارف عليها عالمياً، الأمر الذي يساعد الطالب على الاستفادة من الكتب والمؤلفات والمراجع العالمية، وبما ينسجم مع الدراسة الجامعية الأولى والعالية، مع التركيز على إظهار الجانب الوظيفي للرياضيات من خلال التعامل مع واقع الحياة اليومية، واستخدام التكنولوجيا الحديثة داخل الغرف الصفيّة، وتقديم استراتيجيات متطورة في تقويم المتعلمين مع التفكير بأساليب التقويم البديل الأكثر فاعلية وعمقاً.
نقاط التركيز
وأضاف إبراهيم جرى التركيز في منهاج الرياضيات المطوّر على النقاط الآتية:
اتباع «نظام حلزوني» في تأليف محتوى منهاج الرياضيات، وبنائه على مضامين معرفية أساسية «Focal points» لكل سنة دراسية وهي تحدد في كل صف تدرجاً أفقياً وعمودياً لوضع منهاج يتيح للطالب إتقان هذه المضامين وتوظيفها، من خلال استخدام الأنشطة والتفكير المنطقي والتعليل ووضع الكثير من التمثيلات والرسوم التوضيحية التي تظهر كيفية استعمال المفاهيم الرياضية المجردة في حل المسائل بطرائق متعددة، ثم تقديم خطط وبرامج لتدريب المدرّسين على المفاهيم الجديدة، والتخطيط لتدريس الرياضيات بشكل جيد بحيث يجري من خلالهِ تحقيق التكامل والتتابع والترابط بين جميع الموضوعات الرياضية، بالإضافة لتخطيط المنهاج بما يساعد على تنمية مهارات التفكير العليا والإبداع، ثم احترام ما قدمه العلماء من إسهامات في ميدان الرياضيات وتطوير اتجاهات إيجابية نحوها، و تنمية مهارات التفكير النقدي ومهارات التفكير الإبداعي من خلال تنويع طرائق حل المسائل، وكذلك اعتماد التكامل في منهاج الرياضيات عبر ربط الأفكار ضمن محتوى الرياضيات، وبين الرياضيات والعلوم الأخرى من خلال تطبيقاتها، والربط بين الجانبين النظري والعملي-التطبيقي.
فلسفة المنهاج المطوّر
وقال أستاذ مناهج وطرائق مادة الرياضيات إن الغاية الأساسية من تدريس الرياضيات هي تعليم المتعلّمين كيف يفكّرون، ما يساعدهم على تكوين فهمهم للحياة، الأمر الذي يحقق لهم الاستقلالية والثقة بالنفس والاتزان عند اتخاذ القرار والدفاع عنه، بالإضافة إلى فهم قوة وجمال الرياضيات واستعمالاتها اليومية بدءاً من العد والحساب إلى تعلّم المفاهيم والإجراءات الرياضية مع الفهم وصولاً إلى حل المسائل وتطبيقاتها في الحياة اليومية.
وأضاف من الواجب علينا تحقيق الرؤية التي تتناولها مبادئ ومعايير الرياضيات المدرسيّة، والمهمة للغاية، فيجب تزويد المتعلمين برياضيات مطورة ومنافسة وأن نؤمن لهم فرصاً لتعلّم رياضيات ذات معنى، وبأفضل تعليم ممكن، الأمر الذي يلبي طموحاتهم الشخصية وأهدافهم العلمية والعمليّة في عالم تتطور فيه المعارف و تتضاعف بشكل يومي، وتضع معايير الرياضيات المدرسيّة مقاييس محددة ودقيقة لفهم المعلومات والمهارات الرياضية التي سيكون المتعلم قادراً على أن يحصل عليها بدءاً من الصف الأول الأساسي وإلى الصف الثاني الثانوي، لأن المعيار يحسّن مستوى الأداء عند المعلّم- و المدرّس والمتعلّم، ويضع ضوابط من خلال نواتجه لما سيكون المتعلم قادراً على أن يكتسبه في فترة محددة، كما يؤمن الجانب المفهومي (المعرفي) والجانب الوجداني (الانفعالي) والجانب النفسحركي (الإجرائي) عند المتعلّم.
وقال إبراهيم: لضمان تحقيق التعليم والتعلّم السليمين، جرى عرض محتوى منهاج الرياضيات وفق المجالات الأساسية العامة التالية: الأعداد والعمليات، الجبر، الهندسة، القياس، الإحصاء والاحتمال، التحليل- التفاضل والتكامل.
مميزات مدخل المعايير
وشرح الأستاذ الدكتور بالقول: يؤكد مدخل المعايير المعرفي على مبادئ التميّز والمساواة والجودة الشاملة، وعلى أن المتعلّمين يتلقون تعليماً يضاهي مستويات التعليم في الدول المتقدمة، لضمان النجاح والمنافسة ومواكبة التحديات التي تفرضها التطورات العلمية والتربوية والتقنية العالمية، كما يؤكد على ضرورة نجاح (%90) تسعين في المائة على الأقل، من الطلبة في المدارس الثانوية (وفي صفوف الحلقتين الأولى والثانية من التعليم الأساسي حكماً).. وكذلك تصنيف المتعلّمين المعنيين كأوائل في دولهم والعالم في الإنجازات المتصلة بالعلوم والرياضيات خاصة.. بالإضافة إلى اكتساب المتعلّمين مهارات التفكير التي ستساعدهم على أن يصبحوا مواطنين مسؤولين ومتعلّمين مستقلين وفاعلين منتجين.. ومن أهم فوائد تطبيق مدخل المعايير بالنسبة للمتعلّم مراعاة الفروق الفردية بين المتعلمين من خلال استخدام برامج تخصصية تؤدي طرائق التدريس الناجمة عنها إلى ذلك، وتطبيق معايير مناهج صارمة يكون المتعلم محور التركيز فيها بدلاً من المعلّم/المدرّس، مع تذويب الفروق الفردية بحيث يصل جميع المتعلمين إلى مستوىً عالٍ.
وأشار أنه لقد لاحظتُ من خلال خبرتي التدريسية مع معظم طلبة الرياضيات ومدرّسيها الذين تعاملت معهم (سواء في المرحلة الثانوية أو في دبلوم التأهيل التربوي بكلية التربية بجامعة دمشق)، أن منع استخدام أفعال مهمة في الرياضيات مثل «يفهم، يدرك، يعي، يعرف»، في صياغة الأهداف التعليمية السلوكية (ضمن المدخل السلوكي السابق)، بحجة أنها غير قابلة للملاحظة والقياس، كان يُشعرهم بالضيق والقلق والانزعاج، معتبرين ذلك حاجزاً مصطنعاً بينهم وبين فهم الرياضيات، وهذا ما تعالجه التربية القائمة على المعايير، المطبقة لدينا حالياً، والتي هي شعار عصرنا الحالي!.
سلبيات المنهاج
وأوضح إبراهيم.. لقد لاحظت وجود بعض الأخطاء التربوية في وثيقة المعايير والمخرجات المتعلقة بمنهاج الرياضيات المطّور (في إطار مدخل المعايير المعرفي) بعد (2016/2017)، وتتجلّى بمعظمها في وجود (خلط) في استخدام مصطلحات (المدخل السلوكي الذي كان مطبقاً لدينا خلال الـ 40 عاماً الماضية) و(المدخل المعرفي المطبق لدينا حالياً). وربما كانت هذه الأخطاء ناتجة عن عدم الاستعانة بالمختصين التربويين الأساسيين (أصحاب الاختصاصات الأصلية في الرياضيات والتربية بآن واحد) الموجودين في كليات التربية.. والخوف الأكبر يأتي من تسرب هذه (الأخطاء (الخلط) إلى أدلة المعلمين والمدرسين وكتب المتعلمين (الطلبة/التلامذة)، ومنها إلى غرفة صف الرياضيات وبالتالي إلى أذهان المتعلمين (الطلبة/التلامذة).
أمنية وآمال..
و أخيراً.. أعرب إبراهيم عن أمله بأن توجّه وزارة التربية بإدارتها الجديدة لمن يلزم من أجل معالجة هذه الأخطاء قبل فوات الأوان.
أخبار سورية