الثورة – مها دياب:
في ظل الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي تمر بها سوريا، يبرز “الداء الزلاقي” كأحد الأمراض المزمنة التي تتطلب رعاية خاصة وتوعية مجتمعية واسعة، نظراً لطبيعته المناعية المعقدة واعتماده الكامل على نظام غذائي خالٍ من الغلوتين.
هذا التقرير يستعرض واقع المرض في سوريا من خلال جهود الجمعية السورية للداء الزلاقي وتصريحات عدد من المختصين والناشطين في هذا المجال.
ما الداء الزلاقي؟
الدكتورة أماني بغدادي تعرف “الداء الزلاقي” أو “السيلياك” أنه اضطراب مناعي ذاتي صامت ومزمن يصيب الأمعاء الدقيقة نتيجة تفاعل الجسم مع الغلوتين، البروتين الموجود في القمح والشعير والشيلم، لدى من لديهم استعداد وراثي.
ويؤدي هذا التفاعل إلى تلف الزغابات المعوية المسؤولة عن امتصاص العناصر الغذائية، ويعد السبب الأكثر شيوعاً لسوء الامتصاص عالمياً.
وتقدر نسبة الإصابة عالمياً بنحو واحد بالمئة من السكان، مع إصابة أكبر بين الإناث، وللأسف لا توجد دراسات وطنية واسعة توضح نسبة الإصابة في سوريا، لكن الممارسات السريرية اليومية تكشف عن مراجعة العديد من المرضى من دون إدراك للمرض، وغالباً ما يشار إليه شعبياً باسم سوء الامتصاص.
وأشارت إلى أن نسبة إصابة أقارب الدرجة الأولى من المصابين نحو خمسة إلى عشرة بالمئة، وتقل عند الأقارب من الدرجة الثانية.. تتنوع أنماط “الداء الزلاقي” بين الشكل الكلاسيكي الذي يتظاهر بأعراض هضمية، والنمط غير النموذجي الذي يظهر بأعراض عامة وخارج الجهاز الهضمي مثل: فقر الدم، التعب، هشاشة العظام، اضطرابات المزاج، والعقم.
كما قد يترافق مع طفح جلدي يدعى الهربس الحلئي الشكل، ويصيب الأطفال بفشل في النمو أو يظهر بشكل صامت دون أعراض.
وأضافت: إنه يرتبط غالباً بأمراض مناعية أخرى، مثل: السكري، اضطرابات الغدة الدرقية، التهاب الكبد المناعي، ويبدأ تشخيص الإصابة عند وجود أعراض غير مفسرة أو نتائج مخبرية كفقر الدم وارتفاع خمائر الكبد المزمن، كما أن التشخيص يعتمد على تحاليل دم خاصة وتأكيد بالخزعات المعوية عبر التنظير.
رؤية من التشخيص السريري
وأكدت بغدادي أن الداء الزلاقي لم يعد مرضاً يشخص في الطفولة فقط، كما كان يعتقد سابقاً، بل باتت تكتشف أغلب الحالات في سن البلوغ، إذ يتم تشخيص سبعين بالمئة بعد عمر العشرين وثلاثين بالمئة بعد عمر الستين، بمتوسط عمر تشخيص يبلغ خمسة وأربعين عاماً.. هذا التحول في الفهم يستدعي تعزيز التوعية الطبية ورفع مستوى الكشف المبكر، بهدف الحد من المضاعفات وتحسين جودة حياة المرضى.
أما العلاج فشددت على أن الامتناع التام والدائم عن تناول الغلوتين هو العلاج، ولابد من التزام صارم بالحمية لمنع تطور المرض.
دور محوري
تقوم الجمعية السورية للداء الزلاقي بدور محوري في دعم المرضى على مختلف المستويات الطبية والنفسية والاجتماعية، إذ تشرح السيدة سهام كيال أمينة الجمعية، أن العمل يرتكز على تقديم التوعية اللازمة للمرضى ومساعدتهم في نفقات التشخيص والتحاليل الطبية والاستشارات، من خلال التعاون مع أطباء ومخابر متبرعين.
كما تقدم الجمعية دعماً نفسياً للمصابين وذويهم، وتسعى إلى تحسين الظروف الحياتية للمرضى من خلال التثقيف الصحي المجتمعي، والكشف عن الحالات غير المعروفة وتدبيرها طبياً.
كما تشمل أنشطتها التكفل بثمن الخبز بشكل كامل للحالات التي تعاني من فقر شديد، بسبب ارتفاع تكلفة الخبز الخالي من الغلوتين وصعوبة تأمينه.
وبحسب كيال- إن الجمعية تقدم سلات غذائية خالية من الغلوتين، وتوزع المساعدات في أيام محددة كل شهر يتم الإعلان عنها مسبقاً.. وتشمل هذه المساعدات الخبز المجاني أو المدعوم، وهي إحدى أهم وسائل التخفيف من الأعباء المادية على المرضى.
وأوضحت أن الجمعية لا تقتصر في خدماتها على دمشق وريفها، بل تغطي جميع المحافظات السورية من خلال مراكز توزيع وفرق ميدانية منظمة، ما يضمن وصول الدعم إلى المرضى في مختلف المناطق.
ومن أجل الانتساب قالت: إنه يجب تقديم إثباتات الإصابة بالداء الزلاقي، وتشمل تحليل أضداد وخزعة نسيجية، بالإضافة إلى وثائق شخصية مثل صورة شخصية وبطاقة الهوية.
معاناة المرضى
ومن بين الحالات التي تطلب المساعدة، بينت أنهن أمهات لديهن أكثر من طفل مصاب، يواجهن تحديات مضاعفة في تأمين الغذاء المناسب لجميع أفراد الأسرة، إذ تضطر بعضهن إلى إعداد وجبات خاصة للحمية وأخرى لباقي أفراد العائلة، ما يشكل عبئاً نفسياً ومادياً كبيراً.
وإحدى الأمهات في دمشق تحدثت عن طفلها الوحيد المصاب، وقالت: إنها تبذل جهداً يومياً في تحضير الخبز في المنزل باستخدام طحين الذرة، وتبتكر وصفات بديلة لتوفير وجبات صحية تتناسب مع الحمية، وتحدثت عن معاناتها من عدم توفر المواد بشكل دائم وغلاء أسعارها، ما يجعل الالتزام بالحمية أمراً مرهقاً وشبه مستحيل في بعض الأيام.