الثورة – ترجمة ختام أحمد:
لقد قُتل نحو مليوني مدني وجُرح نحو خمسة ملايين بعد أن نفذت الولايات المتحدة 3.4 مليون طلعة جوية وأنفقت 30 مليار رطل من الذخائر، وأطلقت ما يعادل القوة الانفجارية لـ 640 قنبلة هيروشيما… وحلقات من الدمار والقتل والمذابح والاغتصاب والتعذيب والكثير الكثير من الفظائع حول العالم.
هذا فقط غيض من فيض أهوال الحروب التي ساعد كيسنجر في توجيهها (وإطالة أمدها بشكل واضح) بهذه الطريقة الإجرامية، وبالإضافة إلى لعبه دوراً رئيسياً في استمرار الحروب حول العالم، نظرا للقرارات السياسية الإجرامية التي اتخذها أو دعمها من فيتنام ولاوس وكمبوديا إلى باكستان وتشيلي، وليس من المستغرب أن يكون هناك عدد من البلدان التي اضطر ( كيسنجر) إلى تجنب زيارتها أثناء “تقاعده” خشية أن يتم احتجازه بتهمة ارتكابه جرائم حرب، و لا يزال مجرم حرب ولا تزال كلمته الأولى في السياسة الخارجية لأمريكا.
بلغ هنري ألفريد كيسنجر عامه المائة في 27 أيار من هذا العام “كان ذات يوم لاجئاً مراهقاً من ألمانيا النازية، وعمل مستشاراً للرؤساء لعدة عقود، وتجسيداً للسياسة الواقعية الأمريكية”، وبعد شهرين من عيد ميلاده المائة، سافر إلى الصين، كما فعل سراً لأول مرة في عام 1971 عندما كان لا يزال مستشارا للأمن القومي للرئيس ريتشارد نيكسون، وهناك وعلى النقيض من الاستقبال الفاتر الذي حظي به مؤخراً مسؤولون أميركيون مثل وزيرة الخزانة جانيت يلين والمبعوث الرئاسي الخاص للمناخ جون كيري ــ استقبل الرئيس الصيني شي جين بينج وغيره من كبار الشخصيات كيسنجر بمرتبة الشرف.
وكما كتب دانييل دريزنر من كلية فليتشر للقانون والدبلوماسية في مجلة بوليتيكو ، إن هذا اللقاء يخدم مصالح الطرفين، بالنسبة للصين كان ذلك بمثابة إشارة إلى أن الولايات المتحدة ستكون في وضع أفضل في اتباع سياسة الحضن الدافئ التي بدأها نيكسون منذ فترة طويلة بناء على طلب كيسنجر بدلاً من التعامل البارد الذي تعاملت به الإدارات الأحدث، و بالنسبة لكيسنجر على حد تعبير دريزنر “تمثل الزيارة فرصة للقيام بما كان يحاول القيام به منذ ترك منصبه العام: الحفاظ على أهميته ونفوذه” وحتى عندما يبلغ من العمر مائة عام تظل “أهميته” سليمة، وأزعم أن تأثيره لا يزال خبيثاً كما كان دائماً.
إن النهج الذي اتبعه كيسنجر في التعامل مع السياسة الدولية كان ثابتاً لأكثر من نصف قرن، كان من المقرر فقط متابعة الإجراءات التي تعزز القوة العسكرية والإمبريالية للولايات المتحدة، وكان من الواجب تجنب تلك التصرفات التي قد تقلل من قوتها بأي شكل من الأشكال أو ــ في عصر الحرب الباردة ــ تعزز من قوة خصمها الأكبر، الاتحاد السوفييتي، و” في ظل هذا العنوان فإن أي تيار محلي يفضل الاستقلال – سواء كان سياسيا أو اقتصاديا – أو يسعى إلى حكم أكثر ديمقراطية في أي مكان آخر على وجه الأرض، أصبح يمثل تهديدا لهذا البلد ويهدد الأمن القومي لأمريكا ويجب القضاء على مثل هذه الحركات وأتباعها – سراً إن أمكن و علانية إذا لزم الأمر.
كانت رئاسة ريتشارد نيكسون، بطبيعة الحال، فترة نفوذ كيسنجر الأعظم، بين عامي 1969 و1974، عمل كيسنجر كمهندس لتصرفات الولايات المتحدة في المناطق الرئيسية على مستوى العالم مثلاً : بابوا، تيمور الشرقية، وإندونيسيا: في عام 1969 قام كيسنجر بالتدخل وتزوير عملية الاقتراع في الاستفتاء الذي يدعو للاستقلال عن إندونيسيا وفي محاولة لإبقاء إندونيسيا بشكل كامل في معسكر الحرب الباردة الأمريكية وتحت حكم سوهارتو المناهض للشيوعية في بحر الصين الجنوبي؟.
وفي عام 1975، أعطى كيسنجر الضوء الأخضر أيضاً لغزو إندونيسيا لتيمور الشرقية، والذي قُتل خلاله مئات الآلاف.
وفي انتهاك للقانون الأميركي، قامت إدارة الرئيس جيرالد فورد (حيث واصل كيسنجر العمل كمستشار للأمن القومي ووزير الخارجية بعد استقالة نيكسون) بتزويد المؤسسة العسكرية الإندونيسية بالأسلحة والتدريب وتجاهل كيسنجر أي مخاوف قانونية بقوله المأثور المفضل: “ما هو غير قانوني نقوم به على الفور، لأن الأمور القانونية والدستورية تستغرق وقتا أطول.
جنوب شرق آسيا: ابتداء من عام 1969، كان كيسنجر أيضاً مهندس حملة القصف السرية التي قام بها ريتشارد نيكسون في كمبوديا، وهي محاولة لمنع تدفق الإمدادات من فيتنام الشمالية إلى حركة الفيتكونغ الثورية في فيتنام الجنوبية، وأعرب عن اعتقاده بأن ذلك سيجبر الفيتناميين الشماليين على الجلوس إلى طاولة المفاوضات.
ومن القصف الشامل لفيتنام الشمالية إلى الاستخدام الواسع النطاق للنابالم والقذائف الهاونية ومبيد الأعشاب المسرطن العامل البرتقالي لبرنامج فينيكس التابع لوكالة المخابرات المركزية، والذي أدى إلى تعذيب أو قتل أكثر من 20 ألف شخص.
وتدخله في باكستان وبنغلاديش و تأجيج التوترات بين باكستان والهند، والتي اندلعت في نهاية المطاف إلى الحرب، وعلى الرغم من أن الكونغرس الأمريكي حظر الدعم العسكري لأي من الدولتين، إلا أن كيسنجر رتب لحاملة طائرات أمريكية تعمل بالطاقة النووية للسفر إلى خليج البنغال وتوفير العتاد الحربي لباكستان، ولكن لماذا هذا الميل نحو باكستان؟
لأن ذلك البلد كان يساعد كيسنجر في تحقيق انفتاحه البالغ الأهمية على الصين، ولأنه كان ينظر إلى الهند أيضاً على أنها «عميل سوفييتي».
كما كان لكسنجر اليد العليا لتأجيج الازمات في أمريكا اللاتينية بدءا من الإطاحة العنيفة عام 1973 بسلفادور أليندي، الرئيس الاشتراكي المنتخب في تشيلي وحملة التخريب الاقتصادي والسياسي التي نظمها هنري كيسنجر.
وأخيراً ما الذي يجب أن نعطيه لمستشار رئاسي يبلغ من العمر مائة عام ؟ وماذا عن استدعائه للمثول أمام المحكمة الجنائية الدولية للرد على دماء الملايين التي تلطخت بها يداه؟.
المصدر – أنتي وور