خميس بن عبيد القطيطي – كاتب من سلطنة عمان:
حراك سياسي كبير شهده العالم مؤخراً وتجاذبات كبرى في صراعات المحاور بين محاولات لإعادة تشكيل نظام عالمي تعددي جديد أبرز أقطابه الصين التي قدمت مبادرة اقتصادية عالمية كبرى (الحزام والطريق) منذ عام 2013م بمشاركة دولية واسعة بين قارات آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية وكذلك من خلال توسع لمجموعة البريكس وتهافت دولي لافت للمشاركة في هذا التكتل العالمي الذي يشكل رقماً اقتصادياً ديمغرافياً كبيراً بانضمام ست دول محورية قارياً وذلك بالتوازي مع استمرار التفوق الروسي في الحرب العالمية المصغرة الجارية على المسرح الأوكراني.
يقابل ذلك المحور بالجانب الآخر محور أمريكا – أوروبا بحلفهما التقليدي لإعادة تمكين نظام الأحادية القطبية (المائل) وفي هذا الصدد تم الإعلان عن مشروع اقتصادي أمريكي جديد يستهدف ربط عدة دول محورية في شرق وغرب آسيا بأوروبا فيما سمي بالممر الاقتصادي (العظيم) والذي تحاول من خلاله الولايات المتحدة تعزيز صدارتها لمواجهة المشروع الصيني طريق الحرير، وقد برز هذا التنافس من خلال قمة العشرين الأخيرة التي استضافتها الهند والقمة الأمريكية مع دول الآسيان ليكرس حالة التنافس القطبي وصراع المحاور تحت عنوان الاقتصاد أولا وما يتبعه من ترتيبات سياسية – أمنية لاحقة، واللافت في الأمر أن المشاريع الأمريكية لتعزيز تفوقها العالمي تضع دائماً “إسرائيل” في قلب أي مبادرة عالمية مثل الممر الاقتصادي العظيم الذي سيربط الهند مع دول اقتصادية وازنة في الشرق الأوسط (السعودية والإمارات) ثم الأردن عبر الكيان الصهيوني وصولاً إلى أوروبا لكن ما هي معوقات هذا المشروع الجديد؟
المشروع الاقتصادي الجديد حسب التصور الإعلامي يعتبر مشروعاً اقتصادياً عملاقاً عابراً للقارات يربط الهند بأوروبا عبر الشرق الأوسط ويتضمن ممراً ملاحياً بحرياً يبدأ من الهند ويستكمل بسكك حديدية تربط بين الإمارات والسعودية والأردن و”إسرائيل” كما سيتم تأسيس ممرات عابرة للقارات لنقل الكهرباء المتجددة والهيدروجين النظيف عبر كابلات وخطوط أنابيب – حسب تصورات المشروع، كما تظهر أيضاً أهمية تواجد دول اقتصادية صاعدة في هذا المشروع والذي قد يرفدها اقتصادياً ويضيف زخما وثقلا لهذا المشروع، لكن على المدى القريب سوف تظهر عوارضه السياسية والاقتصادية نظراً لعلاته المتعددة منها المنافسة الاقتصادية العالمية لمبادرة الحزام والطريق كمشروع قائم وغالباً يعتمد على النقل البحري على عكس الممر الاقتصادي الأمريكي الذي سيعتمد على النقل البري الطويل الذي يربط بين غرب آسيا وإسرائيل بأوروبا وتتضاعف تكاليفه المالية بسبب تضاريسه الجغرافية وحاجته لسكك حديدية طويلة، كما أن الممر الجديد الذي ظهر في قمة العشرين يحمل عوارض فشله بسبب تركيبته الجغرافية السياسية وعبوره مناطق صراعات وتوترات أمنية دائمة نظرا لمروره بكيان الاحتلال الإسرائيلي وهذا بدوره سيتطلب توفير حماية مستمرة ومراقبة دائمة، والجدير بالذكر أن هذا المشروع جاء ردة فعل لصراع النفوذ بين الولايات المتحدة والصين، وهنا تعود الذاكرة إلى مشاريع مماثلة في حقب تاريخية سالفة تذكر دائما بالتاريخ الاستعماري للقوى الأوروبية في الوطن العربي وشبه القارة الهندية.
إشكالية التوابع السياسية لمشروع الممر (العظيم) الذي يبدو اقتصادياً صرفاً لكنه يجر خلفه ملفات سياسية يراد تعويمها ضمن المشروع وبالتالي سوف تظهر عاجلاً إشكالاته السياسية مثل قضية التطبيع وربط مصالح دولية بمدى الاستقرار السياسي والأمني في كيان الاحتلال الصهيوني ويشار إلى أن هناك مشاريع سياسية أمريكية تتعلق بـ “إسرائيل” لم يكتب لها النجاح كمشروع الشرق الأوسط الكبير ومشروع الضم وغزة الكبرى وغيرها وبالتالي فإن مشروع الممر الاقتصادي لا يختلف في الجزئية المتعلقة بـ “إسرائيل”، كما أن الممر الاقتصادي المذكور يبرز حالة من الاستقطاب الدولي مع مشروع عالمي قائم ومتوج بقدرات اقتصادية خصصت تريليون دولار شاملة طرق الحرير وتحسين البنية الأساسية في الدول التي يعبرها طريق الحرير، كما أن المشروع الاقتصادي الأمريكي الجديد يضم دولاً هي في الأساس ضمن مبادرة الحزام والطريق وأعضاء في مجموعة بريكس بلس فهل يمكن الموازنة بين المشروعين المتنافسين؟ وهل يمكن لمشروع أمريكا “العظيم!” القائم على مفهوم القطبية الأحادية أن يكون قادراً على مواجهة حالة عالمية عامة رافضة لاستمرار هيمنته السياسية والاقتصادية؟ وهل مشروع الممر العظيم سيرى النور؟
حالات الريبة والشك واردة في مثل هذه الظروف الدولية وبالتالي فإن طرح مشاريع سياسية اقتصادية فجائية يشوبها الكثير من المعوقات عرضة للفشل وإن غدا لناظره قريب.
* المقال ينشر بالتزامن مع صحيفة الوطن العمانية ورأي اليوم
التالي