لم يكن اتهام سوء التخطيط الزراعي بإرباك القرار الاقتصادي، افتراءات بل توصيفا دقيقاً للواقع المرتبك.
والشواهد تقدم نفسها تباعاً في كل موسم ولكل موسم حكايته المريرة..من البصل.. إلى الثوم .. إلى زيت الزيتون.. وصولاً إلى الشعير أحدث فصول دراما الزراعة.
التخطيط السليم يقوم على الإحصاء الدقيق..فهل فعلاً لدى زراعنا مكنة إحصاء فاعلة وفعالة ..؟؟
في حكاية البصل تم السماح بالتصدير بناء على مطالبة وزارة الزراعة، وتقديراتها..وكذلك بالنسبة للثوم ومثله زيت الزيتون .. لكن في كل مرة كان يشتعل فتيل أزمة خانقة بالنسبة لكل مادة قبل أن يجري تصدير حتى نصف الكميات التي طالبت الزراعة بتصديرها بناء على تقديرات الموسم واحتياجات الاستهلاك والفائض.. وأحياناً تحصل الاختناقات قبل تصدير أية كميّات، فإن لم يكن ذلك خللا ً ماذا يمكن نسميته..؟؟
اليوم نحن أمام مشكلة محصول الشعير، وهو موسم مرافق لموسم القمح أو يسبقه بقليل، كان إنتاج البلاد غير قليل، بل وفيراً، فما الذي حصل لنصل إلى استيراد مادة أساسية لأعلاف الدواجن والثروة الحيوانية؟
خصوصاً وأن وزارة الزراعة سبق وأن زفّت ما يشبه البشرى بأنها وصلت إلى “ابتكار” يخفض تكاليف الأعلاف بنسبة ٢٥ بالمئة عبر إدخال الشعير في الخلطة العلفية، لكن بعد تلك “البشرى” جاء أول موسم لتكون المفاجأة باعتذار مؤسسة الأعلاف عن الاستمرار باستلام المحصول – سعر الكيلو ١٢٥ ليرة – والموسم الثاني وجد أصحاب المدخرات ضالتهم في تخزين الشعير من الموسم لتحقيق علاوات مجزية في الشتاء، والموسم الثالث هذا العام “تبخر ” المحصول ليسود صمت وزارة الزراعة وذراعها ” الأعلاف” وتكون المفاجأة السماح بالاستيراد رغم أن الإنتاج كان وفيراً لكنه ليس بحوزة المربين ولا مؤسسة الأعلاف.
اللافت في الأعذار التي ساقتها الأخيرة لتبرير تلكؤها باستلام الشعير تتعلق بإمكاناتها المادية، واتحاد الفلاحين يعزي المشكلة إلى السعر المنخفض الذي تم تحديده لشراء المحصول..وفي كلا الحالتين الأعذار ليست مقنعة لأن التعاطي بهذه الطريقة الرخوة مع المحاصيل الاستراتيجية وشبه الاستراتيجية لم تعد مجدية ويجب أن نكون قد تعلمنا من دروس القمح المتكررة.
لماذا لا تكون مؤسسة الأعلاف “تاجر شاطر” تشتري وتبيع ..المخصصات المدعومة تبقى مدعومة، والباقي يباع وفق الأسعار الرائجة وتحقيق أرباح معقولة، والأهم أنها بذلك تكسر احتكارات التجار للمادة، أو ليست هي الذراع الحكومي التدخلي في القطاع؟
على كل حال لا نتوقع أن يتم استيراد كميات كبيرة من الشعير، لأن الاستيراد مغامرة بما أن المستودعات متخمة..
وقد تكون الحسنة في قرار الاستيراد أنه سيكبح طموحات الأرباح التي يحضر لها محتكروا المادة، وسيكون خيار التصدير جاهزاً إن حصل تلاعب.
نهى علي