فؤاد دبور – كاتب أردني:
الديمقراطية ضرورة للارتقاء بالمجتمع وتقدمه وتطوره حيث لا يستقيم أي تقدم بدونها وذلك عبر إطلاق الحريات المسؤولة في السياسة والاقتصاد والثقافة والتعبير ضمن محددات وقوانين ناظمة بحيث يتم الالتزام بهذه القوانين وعدم الخروج عليها تحت طائلة المساءلة بمعنى أن الديمقراطية السليمة هي طريقة حياة وأسلوب يعتمد لإدارة المجتمع بوسائل سلمية، لكن هل للديمقراطية الأمريكية مفهوم آخر؟!
ذلك أن الولايات المتحدة الأمريكية اعتمدت على ديمقراطية العنف ومنذ بداية وجودها، ولا شيء غير العنف والقوة الغاشمة، حيث أنها قامت أساساً على نتاج إبادة شعب. واحتلال أرضه، وعلى الغزو والحروب والسيطرة على الآخرين، ونهب ثرواتهم، فالقرصنة الهائلة للآخرين هو ما يميز تاريخها الذي تأسس على جثامين وجماجم السكان الأصليين في عديد ولاياتها. مثلما قامت أيضاً على العدوان الخارجي ضد الشعوب، حيث بدون هذا العدوان تفقد السياسة الأمريكية الكثير من مداخيلها كما تفقد الكثير من جبروتها ووحدتها الوطنية.
وهذا ما أكدته الديمقراطية الأمريكية تجاه أمتنا العربية عبر وضع الأمة العربية بكاملها في دائرة الاتهام والاستهداف وجعلت من نفسها حاكماً، ولكنه ظالم، تحاكم المقاومة وفكرها وثقافتها وطرق نضالها وتبذل الجهود والضغوطات من اجل جعلها ترضخ لسياساتها تنفذ ما هو مطلوب منها وبخاصة عدم المواجهة مع مشاريعها وأهدافها الإستراتيجية في المنطقة وأولها توفير الأمن والحماية والتفوق للكيان الصهيوني وتسهيل نهب ثروات الأمة وبخاصة الثروة النفطية كمادة إستراتيجية تخدم شركاتها العاملة في هذا المجال مثلما تخدم سياساتها الهادفة إلى التحكم بدول العالم لتصبح المتحكم الأوحد في هذا العالم، أوليس هذا هو النهج الذي اتبعته مع سورية عندما طلبت من قيادة الدولة القبول بالنهج الأمريكي في المنطقة والتوقف عن التصدي للمشروع الأمريكي والتوقف عن دعم المقاومة والتي تواجه احتلالها للعراق والمقاومة في فلسطين ولبنان التي تواجه الاحتلال والعدوان الصهيوني؟ ألم تطلب من القيادة السورية عدم الاقتراب من مواجهة مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي يستهدف أقطار الأمة العربية وتحويلها إلى كيانات هزيلة تدور في فلكها؟ أي أن الديمقراطية كما تفهمها الولايات المتحدة هي وسيلة لتحقيق المشروع الإمبريالي الأمريكي الصهيوني وبمعنى أدق فإن الديمقراطية التي تدعيها أمريكا هي وسيلة لاستعباد شعوب المنطقة والعالم. وبالتأكيد عندما ترفض سورية أو غيرها هذا المفهوم السياسي الاستعبادي للديمقراطية الأمريكية وتتمسك بالديمقراطية السليمة باعتبارها المعطي الإنساني للحرية والكرامة والتقدم وليس أداة لاستعباد الآخرين وجب عليها العقاب عبر اتخاذ إجراءات الحصار ونهب المقدرات من نفط وغيره، وتحريك الأدوات والعصابات المسلحة المأجورة لخلق الفوضى وعدم الاستقرار وضرب الاقتصاد وإضعاف النظام والشعب وتعريض الوطن لخطر الدمار والخراب وقتل أبناء الشعب.
لسنا بصدد إيراد الدلائل الكثيرة على مثل هذه السياسات الأمريكية ولكن نتوقف عند الأبرز والاهم، إذ كيف يمكن لعاقل أن يثق بادعاءات قادة الولايات المتحدة حول الديمقراطية في منطقتنا وهو يشاهد الشراكة الإستراتيجية الدموية الإجرامية مع العصابات الصهيونية الغاصبة حيث نشاهد الديمقراطية الأمريكية بأبشع صورها الدموية في فلسطين العربية وبخاصة قطاع غزة حيث القتل المروع والدمار الهائل وحشد البوارج الحربية لدعم هذا الإجرام وحماية الكيان الغاصب القاتل كما نشاهد أيضاً الإجرام ضد لبنان وسورية واستهداف الشعب العربي في كل أقطار الوطن مع الكيان الصهيوني الغاصب لأرض الآخرين في فلسطين وسورية ولبنان والذي يمارس كل أشكال العدوان والقتل والبطش والإرهاب والحصار وانتهاك أبسط حقوق الإنسان وبخاصة في قطاع غزة حيث قتل الأطفال والنساء والمواطنين وتدمير المدن والمستشفيات والحرمان من الماء والغذاء والدواء والكهرباء والوقود.
هذه الشراكة القائمة على توفير كل أسباب وأشكال الدعم التي تشجع هذا الكيان على ممارسة كل هذه الأشكال من الجرائم؟ ثم هل لعاقل أن يصدق أو يثق بالديمقراطية الأمريكية التي تشن الحروب وتحتل الدول تقتل المواطنين وتدمر المؤسسات لتحقيق أطماعها وإشباع شهواتها المالية والسيطرة على العالم؟!
وكذلك نشاهد الديمقراطية الأمريكية الداعمة لنظام أوكرانيا النازي في مواجهة جيرانه الروس ديمقراطية الحصار لسورية وإيران وكوبا والعديد من دول العالم.
نعم، إن مستقبلاً صعباً ينتظر الولايات المتحدة الأمريكية لاسيما وأنها بدأت فعلياً بالتفكك إلى مجموعات متصارعة على أسس عرقية وعنصرية وعلى اللون، وهذا الوضع سيؤثر بشكل كبير على فقدانها دورها السياسي وتفوقها على العالم ومؤسساته.
ونقول، لتتوقف الإدارات الأمريكية عن عرض مسرحية الديمقراطية الأمريكية عبر ديمقراطية عنصرية فالأبيض يقتل الأسود، ديمقراطية الدم والتخريب في الولايات المتحدة نفسها، ديمقراطية همجية وحشية بشعة أحدثت شرخاً عميقاً في المجتمع الأمريكي.
* أمين عام حزب البعث العربي الديمقراطي في الأردن – تحت التأسيس