الثورة – ترجمة رشا غانم:
تعد التجارة منذ عقود بأنها العامل الأساسي والأهم في تعزيز القدرة التنافسية وخفض الأسعار والتشجيع على الابتكار وتعزيز التخصص السوقي وبذلك تقود إلى مجتمعات ذات رفاه اقتصادي، ولقد ازدادت أهمية التجارة في العصر الراهن نظراً لدورها الحاسم على التطور العالمي في ظل مرحلة العولمة هذه.
ووفقاً للتقديرات التي قدمها البنك الدولي، فإنه وبفضل التحرر التجاري والعولمة والتقدم التكنولوجي، فقد ارتفع النمو الاقتصادي العالمي السنوي بمعدل 1 إلى 1,5 في المئة خلال الثلاثين عام الماضية، كما أدت الزيادة في التجارة من عام ١٩٩٠ إلى عام ٢٠٢٢ إلى زيادة متوسط الدخل بنسبة ٢٤ في المئة على مستوى العالم، وزيادة تتجاوز ٥٠ بالمئة بالنمو لأفقر ٤٠ في المئة من سكان الأرض، كما أدى النمو الاقتصادي الناجم عن زيادة التجارة الدولية إلى انتشال أكثر من مليار شخص حول العالم من براثن الفقر.
ومنذ أن انضمت الصين إلى منظمة التجارة العالمية، ازدادت التجارة الدولية بشكل هائل من 15,6 ترليون دولار في عام 2001 إلى 40,7 ترليون دولار في عام 2008.
ولسوء الحظ، فقد اندلعت الأزمة المالية العالمية، وأعاقت السياسات الحمائية التي اتخذتها الولايات المتحدة في أعقاب الأزمة – كفرض الضرائب على البضائع الأجنبية وحصص الاستيراد – هذا الاتجاه التجاري المؤثر في النمو، وازدادت بعدها إجراءات التجارة الحمائية بنسبة 663 في المئة، وبعد بلوغ ذروته في عام 2008، ركدت التجارة العالمية مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي.
وفيما يتعلق بالصادرات العالمية، تحتل آسيا الأغلبية بأكثر من ٣٦ بالمئة من إجمالي الصادرات، وتأتي بعدها أوروبا بنسبة ٣٤ بالمئة، حيث صدرت أكبر إحدى عشر دولة مصدرة في العالم بضائع بما تقارب 12,8 ترليون دولار لعام ٢٠٢٢، أي أكثر من بقية العالم (12,1ترليون دولار)، ولطالما كانت الصين المصدر الأكبر في العالم منذ عام ٢٠٠٩ ولا تزال تتصدر القائمة، حيث بلغت صادراتها بما يقارب 3,6 ترليون دولار من الصادرات، مما يصل إلى ١٤ بالمئة من الإجمالي، وتشمل المنتجات الرئيسية من حيث القيمة الهواتف وأجهزة الكمبيوتر والقارئات الضوئية والدوائر المتكاملة والثنائيات الشمسية وأشباه الموصلات، فإلى جانب الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، فإن شركاء الصين التجاريين المتزايدين الأهمية هم اللاعبون الإقليميون الرئيسيون – رابطة دول جنوب شرق آسيا واليابان وكوريا.
كما لوحظ وجود “تجزؤ” إقليمي على الجانب الآخر من المحيط، ففي وقت سابق من هذا العام، تجاوزت المكسيك الصين كأكبر مصدر للولايات المتحدة كجزء من جهد أمريكي أوسع للحد من اعتماد الصادرات على منافستها الجيوسياسية العالمية، ولا تزال الولايات المتحدة ثاني أكبر مصدر للسلع في العالم، حيث يبلغ حجم مبيعاتها السنوية أكثر من 2 تريليون دولار.
ووفقاً لخبراء من صندوق النقد الدولي، فإن التوترات التجارية المتصاعدة بين الصين والولايات المتحدة هي الشاغل الرئيسي للاقتصاد العالمي، حيث تتسبب الحرب التجارية المستمرة في “تجزئة العالم” إلى كتل تجارية، ما يؤدي إلى نقل الإنتاج إلى ولايات قضائية، والذي يمكن أن يؤدي إلى تدهور كبير في الاقتصاد العالمي، يصل إلى 1 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي في خمس سنوات و 2 في المئة إضافية على المدى الطويل.
هذا وأصدر صندوق النقد الدولي مؤخراً ورقة أعدتها مديرته الإدارية كريستالينا جورجيفا، والتي تقدم تقديرات أكثر تطرفاً للانكماش الاقتصادي العالمي المحتمل الناجم عن هذه التجزئة، وتشير جورجيفا إلى أن هذا الانكماش قد يتراوح من 0.2 في المئة إلى 7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وهو ما يعادل تقريباً الناتج الاقتصادي السنوي لألمانيا أو اليابان.
وبطبيعة الحال، كانت توقعات التجارة العالمية موضوع نقاش حاد لسنوات عديدة، حيث خلص محللو صندوق النقد الدولي مؤخراً إلى أن الجغرافيا السياسية في الوقت الحاضر لها تأثير متناقض و غير مهم إحصائياً على ديناميكيات التجارة الدولية، بينما تتحدد فعالية التجارة في المقام الأول بالأحجام الاقتصادية للبلدان الشريكة وموقعها الجغرافي وعضويتها في المنظمات التجارية، وقد تبين أنه لا يمكن لأي بلد أو منطقة أن تحقق التنمية الاقتصادية المستدامة وحدها، وبالتالي لا يمكن وقف التكامل العالمي.
كما كشفت الدراسة أيضاً أن مرونة التدفقات التجارية إلى الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للفرد ينبغي أن تكون 0.088 و 0.065 في بلد المنشأ والمقصد، على التوالي، وهذا يعني أن زيادة الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 10 في المئة، مع تساوي أشياء أخرى، تؤدي إلى نمو متوسط بنسبة 8.8 في المئة و 6.5 في المئة في حجم التجارة الثنائية في بلد المنشأ والمقصد، على التوالي، كما يؤثر حجم الاقتصاد وسكانه تأثيراً إيجابياً على ديناميكياته التجارية، وعلى وجه التحديد، إذا زاد عدد سكان البلد الذي يُباع فيه المنتج بنسبة 10 في المئة، فإن حجم التجارة الثنائية يزداد بنسبة 11.2 في المئة.
هذا وتم تضمين توقعات مماثلة في دراسة أخرى، والتي تنص على أنه على الرغم من أن العديد من البلدان تقلل من الاعتماد المتبادل والتكامل، فمن المتوقع أن تنمو الصادرات العالمية بنسبة 70 في المئة بين عامي 2020 و 2030، لتصل إلى 29.7 تريليون دولار بحلول عام 2030، وتبين الأرقام المقدمة أن التغلب على مشاكل التجارة العالمية الناجمة عن الأزمة المالية لعام 2008 والحواجز التجارية الحمائية الجديدة سيستغرق أكثر من 25 عاماً.
وهناك حالياً اتجاهان متعارضان في التجارة الدولية، الأول هو إقامة حواجز تجارية من قبل بعض البلدان المتقدمة التي تفقد اقتصاداتها قدرتها التنافسية، والثاني هو أن القيود التجارية في جميع أنحاء العالم ليس لها أي تأثير ملموس تقريباً على التجارة العالمية، ولا يمكن وقف الاتجاه نحو التكامل التجاري، وسيؤدي ازدياد طموح البلدان الناشئة وقدرتها التنافسية وقدرتها على المنافسة في الأسواق الدولية إلى تقسيم أعمق للتخصص والاستفادة المثلى من سلاسل الإمدادات اللوجستية، بينما ستشهد البلدان التي لا تشارك في عولمة التجارة وتخصصها تباطؤاً في تنميتها.
المصدر – تشاينا ديلي