دمشق القديمة.. بيوت مهددة بالسقوط   ما بين تعقيدات الترميم وغلاء المستلزمات  

الثورة – ثورة زينية: 

يكمن جمال دمشق على مرّ الحقب، خلف زاوية معينة أو جهة محدّدة، على الزائر أن يخطو إليها ويتجه نحو كل خطوة تكشف عن رونق القديم فيها، والحاجة الماسة إلى التعلّق بذلك القديم والبقاء لأطول وقتٍ ممكن على الرغم من ضيقها وقدمها.

في مدار الأبنية القديمة والأحياء التاريخية ينشأ ارتباط مع السكان، لكن تعود الخصوصية الدمشقية إلى سحرها، وكثير من الأحياء القديمة تلاشى، بفعل النسيان والبناء الحديث، إلا أن الحداثة لم تستطع محو حضور تلك الأبنية ومنذ فترة يتكرر انهيار المنازل العتيقة داخل دمشق القديمة وخارجها.

فأغلب بيوت دمشق القديمة، متهالكة ومعرضة لنفس المصير، والعوامل الجوية المختلفة تفعل فعلها في البيوت الخشبية والطينية الذي يعتبر بعضها أثرياً ومسجلاً رسمياً ضمن قوائم السياحة والآثار، بالإضافة إلى جميع بيوت دمشق القديمة داخل السور المسجلة كتراث أثري أيضاً، وممنوع القيام بعمليات الترميم اللازمة لها إلا بناءً على موافقة مسبقة ووفقاً لشروط وضوابط معينة، الأمر الذي أدى إلى مزيد من التهالك بهذه البيوت عاماً بعد آخر، مع العلم أنَّ غالبيتها ما زال مشغولاً من قبل المواطنين كسكن، وبعضها عبارة عن مشاغل، وربما القليل مُفرغ من قاطنيه بسبب تهالكه وعدم التمكن من استخدامه بوضعه الراهن، أي أن المخاطر المحدقة بهذه البيوت، كما بالقاطنين والشاغلين، تتكرر كل عام، وخاصة مع فصل الشتاء.

الباحث التاريخي نبيه كلاس بين في حديثه لـ”الثورة”، أن تصميم المدينة يتّسم بأزقتها المتعرّجة التي تعكس التصميم العمراني التقليدي، حيث استخدام الحجارة والطوب الأحمر في تشييد المباني، إلى جانب أنظمة بناء تعتمد على الطين واللبن مدعوماً بخشب الزان، مع وجود زخارف تقليدية معقدة على الجدران والسقوف، مضيفاً: يكمن الأثر النفسي لهذه الأحياء باستخدام عناصر محببة وودودة ونسب تصميمية إنسانية، فمثلاً، يشعر الزائر بالرهبة العظيمة أمام مبنى يفوقه في الارتفاع بعشرات المرات، لكنه يشعر بالاحتواء إذا ما وقف أمام مبنى نسبته لا تتعدّى ضعفي طوله، بالإضافة إلى أن حالة التراكب وخلق الظلال في الشوارع تؤمّن جواً بيئياً لطيفاً، خاصة في فصل الصيف.

رخصة الترميم

تنتشر في أحياء دمشق القديمة مئات المنازل المتداعية والآيلة للسقوط في أي لحظة، كالمنازل الموجودة في أحياء الشاغور، والقنوات والعمارة والقيمرية وباب سريجة وساروجة وغيرها.

زهير الصواف- أحد سكان حي القنوات قال: إنّ بيوت دمشق القديمة أضحت اليوم تعاني من تصدعات عديدة تتسبب بالمشكلات لنا، أبرزها تسرب المياه في فصل الشتاء من الأسقف، لكن من دون قدرتنا على إصلاحها أو ترميمها، مؤكداً أن صعوبة الحصول على رخصة الترميم من محافظة دمشق هو من بين الأسباب التي تعوق إصلاح وترميم منازلنا، يضاف إليها ارتفاع أسعار مواد الترميم في هذه الظروف الاقتصادية، متهماً مجلس محافظة دمشق السابق أيام النظام البائد بتأخير إصدار تراخيص ترميم الأبنية القديمة ما ساهم في رفع نسبة خطورة انهيارها.

وأضاف: تتشدد المحافظة في منح رخص الترميم لأصحاب العقارات الخاصة في دمشق القديمة رخصة التدعيم وإعادة البناء الجزئي مبررة ذلك التشدد بأن المنطقة أثرية لها معاملة خاصة لجهة الدراسة الإنشائية، ونوع وكمية المواد المستخدمة في الترميم، كما تشترط للحصول على طلب رخصة الترميم وجود صاحب العقار أو ورثته، وهذا أمر ليس سهلاً لأن دمشق القديمة تشهد خلافات قضائية بين أجيال من الورثة على الإرث والتركات القديمة، وخلافات بين مستأجرين ومؤجرين وفق عقود الإيجار القديمة السكنية والفروغ التجارية الخاضعة للتمديد الحكمي، وتلك الإشكاليات والتعقيدات تسببت في وضع إشارات مانعة من التصرف على كثير من عقارات المدينة القديمة، ما يحول دون الحصول على رخص الترميم.

لجنة متناقضة المهام

ونظراً لصعوبة التواصل مع المعنيين في محافظة دمشق للحصول على معلومات متعلقة بالكثير من القضايا التي تهتم بشؤون العاصمة الخدمية والاقتصادية، فقد اضطررنا كالعادة إلى اتباع طرق أخرى للحصول على معلومة لإثراء موضوع الترميم في المدينة القديمة.

مصدر في مديرية دمشق القديمة أوضح لـ”الثورة” أن لجنة شكلتها محافظة دمشق قبل سقوط النظام البائد لهذا الغرض مؤلفة من ممثلين عن مديرية دمشق القديمة، وفرع نقابة المهندسين، ومديرية دوائر الخدمات في المحافظة، مهمتها الكشف على العقارات القديمة وتقدير مستوى الخطر عليها والآيل منها للسقوط.

وأشار إلى أن ما يثير الاستغراب في تشكيل هذه اللجنة استبعاد مديرية الآثار الجهة الوحيدة التي تمتلك الخبرات والكوادر القادرة على تحديد الأضرار في المدينة القديمة، واقتراح طرقاً لتلافيها وإصلاحها بما لا يسيء للنسيج المعماري في المدينة القديمة، إضافة للتناقض الواضح في مهامها، إذ إن من مهام البلديات في المحافظة الكشف على الأبنية الآيلة للسقوط وإصدار رخص ترميم عاجلة لها، وبالتالي فإن مديرية دمشق القديمة هي المسؤولة عن الكشف الدوري على العقارات في نطاق عملها واتخاذ الإجراءات اللازمة لإزالة المخاطر عليها، ومنح رخص الترميم، والإشراف على تنفيذها، لكن صلاحيات البلديات تم تعطيلها في إصدار رخص الترميم.

تعقيدات إصدار الرخص

أحمد كنعان- أحد سكان حي العمارة أفاد: إن دمشق القديمة تعاني كثيراً من التأخير في ترميم وتأهيل أبنيتها القديمة ما يعرض سلامتها الإنشائية للخطر وبعض الأبنية القديمة آيلة للانهيار من دون أن تتلقى الترميم المناسب بسبب تعقيدات إصدار رخص الترميم، لكون المنطقة أثرية، فقبل سقوط النظام البائد كانت تتقاطع فيها صلاحيات وزارة الثقافة ووزارة الأوقاف مع صلاحيات محافظة دمشق بخصوص ملكية بعض العقارات، ليجد سكان دمشق القديمة أنفسهم أمام معضلة أخرى لا تقل تعقيداً حتى في حال عدم وجود مشكلات بين الورثة والمستأجرين.

وأوضح أنه بوجود هذه التعقيدات لا يمكن لأي طرف الحصول على رخصة ترميم نظامية، وللحماية من انهيار العقار على رؤوس ساكنيه يضطر أحياناً قاطنو العقار القيام بترميمه من دون ترخيص وهو ما كانت تعتبره محافظة دمشق مخالفة بناء بموجب المرسوم التشريعي رقم 40 للعام 2012 الخاص بمخالفات البناء‌‎، وكانت لا تقبل المحافظة بتسوية المخالفات حتى لو كانت واقعة قبل صدور القانون 40 للعام 2012 من دون أي تبرير، موضحاً أن الحل الوحيد لأي مخالفة بناء هو إزالتها وهدمها، ولذا فإن الأهالي يطالبون بإعادة العمل بتسوية مخالفات البناء في دمشق القديمة التي يمكن البرهنة على حدوثها قبل صدور المرسوم.

ربيح السروجي من سكان المدينة القديمة بين أن لأصحاب العقارات الحق بالحصول على رخصة ترميم لاحقاً في حال أجروا عمليات ترميم من دون ترخيص، وكان السائد سابقاً أنه يجب في البداية تسوية تلك المخالفة قبل التقدم بطلب رخصة ترميم جديدة، لكن تظهر مشكلة أخرى أنه في حال تمكن مالك عقار خاص في منطقة أثرية من الحصول على رخصة ترميم، فيجب أن يتم الترميم بإشراف محافظة دمشق ووزارة الثقافة، وإذا كان العقار قائماً على وقف أو مجاوراً لموقع ديني يجب أن تشارك في الإشراف وزارة الأوقاف، كما أن وزارة السياحة تشارك في الإشراف على أعمال الترميم إذا كان العقار يضم منشأة سياحية، مؤكداً على أن تكاليف الترميم تقع على عاتق صاحب العقار وحده وتلك الجهات الوصائية المشرفة لم تكن تقدم أي مساعدة أو دعم مالي لترميم العقارات المتضررة.

آخر الأخبار
صندوق التنمية.. أفق جديد لبناء الإنسان والمكان "صندوق التنمية السوري"..  أمل يتجدد المجتمع المحلي في ازرع يقدم  350 مليون ليرة  لـ "أبشري حوران" صندوق التنمية يوحد المشاريع الصغيرة والكبيرة في ختام المعرض.. أجنحة توثق المشاركة وفرص عمل للشباب مدينة ألعاب الأطفال.. جو مفعم بالسعادة والرضا في المعرض في "دمشق الدولي".. منصات مجتمعية تنير التنمية وتمكن المجتمع كيف يستخدم شي جين بينغ العرض العسكري لتعزيز موقع الصين ؟ من بوابة السيطرة على البحار.. تركيا تصنّع حاملة طائرات تتجاوز "شارل ديغول" التداول المزدوج للعملة.. فرصة لإعادة الثقة أم بوابة للمضاربات؟! مواطنون من ريف دمشق: صندوق التنمية سيكون سيادياً سورياً الوزراء العرب في القاهرة: فلسطين أولاً.. واستقرار سوريا ضرورة استراتيجية عربية أهالٍ من درعا: إطلاق "صندوق التنمية السوري"  فرصة لإعادة الإعمار "صندوق التنمية السوري".. خطوة نحو الاستقرار الاقتصادي والسياسي الأمم المتحدة تؤكد أن لا حل في المنطقة إلا بقيام دولة فلسطينية "التقانة الحيوية".. من المختبر إلى الحياة في "دمشق الدولي" تقنية سورية تفضح ما لا يُرى في الغذاء والدواء انعكاس إلغاء قانون قيصر على التحولات السياسية والحقائق على الأرض في سوريا حاكم "المركزي": دعم صندوق التنمية السوري معرض دمشق الدولي.. آفاق جديدة للمصدّرين