ظافر أحمد أحمد:
أضاع العرب مفهومهم للعدو، فحصلوا على السلام المزيف، وتكفلت الدعاية الأميركية والغربية في تحشيد ثقافة طاغية نسبياً لدى الذهنية العربية تخص (صناعة عدو بديل)، فأصبحت سياسات عربية عديدة منذ ثلاثين عاماً على الأقل لا تجد الخطر من الكيان الإسرائيلي بل تتحسسه لدى القوى والدول التي تعاديه، وهذا ما يفسر عداد الموت المستمر على أرض فلسطين المحتلة بفعل وحشية احتلال إسرائيلي جعلت منه (لطافة العرب) أرشق عدو في القتل وأنشط المستعرضين بطريقة سفك دم أطفال فلسطين قبل نسائها وشبابها وشيوخها.
ازدحمت في حيثيات الخطاب السياسي والإعلامي العربي منذ السابع من الشهر الماضي تباينات تجاه تصنيف العدو، ووصلت اللطافة العربية إلى درجة تخلي بعض العرب عن استعمال كلمة “الاحتلال الإسرائيلي” عند تناول شتى الوقائع الخاصة بشؤون القضية الفلسطينية، لينوب عن ذلك كلمات وصفات يمكن تلخيصها ب(إسرائيل- الجيش الإسرائيلي- القوات الإسرائيلية…) وأخطر تلك الصفات تكرار كلمة (دولة إسرائيل).
في الخلاصات الصادمة أنّ أصحاب ومنظري مسار (لطافة العرب) تبدو مواقفهم وكأنّها على الحياد في الصراع العربي- الإسرائيلي، في حين هي انحياز للطرف الإسرائيلي بقصد ممنهج أو ببلادة سياسية على الأقل لجهة ترسيخ أدبيات سياسية وإعلامية تحول العدو إلى دولة جارة، والاحتلال إلى صاحب الحق بالدفاع عن نفسه، والوحشية الإسرائيلية إلى ضرورة واقعية للتخلص من “المقاومة” التي ينظر إليها بعض العرب كعامل توتير في المنطقة وأنّها جالبة لحالة عدم الاستقرار، وهذا الوصف الأخير يصبح النتيجة الأردأ المرتبطة بضياع بوصلة تحديد العدو، لتصبح تصفية المقاومة العربية سواء كانت بهوية فلسطينية أو غيرها فعلاً يشجعه بعض العرب (بصمتهم أو ببعض التصريحات وبغير ذلك..) حتى لو أصبحت مهمة هذه التصفية على يد المحتل نفسه، وهنا أعمق درجات التيه في جزء من الذهنية العربية.
في الأدبيات العريقة للشعوب التي تعرضت للاحتلال فإنّ الحالة الفاعلة هي أن من يرفض قتل العدو والمحتل يستحق العقاب بالموت، ولكن في حالة مسار اللطافة العربية تجاه الاحتلال الإسرائيلي تصبح الأدبيات فاضحة إذ تقتضي أنّ من يعمل على إزالة الاحتلال أو مقاومته أو قتل العدو يستحق الموت، فهل من تفسير آخر لهذه الفرجة العربية على مسرح الأحداث في غزّة..؟
إنّ العربي الذي جعل أدبياته السياسية والإعلامية مرجعيتها التصنيف الأميركي لدول العالم وإفرازتها التي أنتجت ما يسمى ب(محور الشر)، أو القائمة الأميركية للدول والتنظيمات المسماة إرهابية، سيدفع الثمن لاحقاً على يد العدو ذاته..، لذلك يبقى السؤال (من هو عدو العرب؟)، الأكثر إشكالية في الذهنية العربية، ومنذ أضاع العرب مفهوم العدو بقي العدو باسم السلام..!