ضعف الإقبال على زراعة القطن انعكس على التصنيع.. خبير زراعي لـ “الثورة”: سياسة التسعير مجحفة للمزارع.. صناعي نسيج: نوعية الأقطان وقلتها أفقدتنا الأسواق الخارجية
الثورة – تحقيق – رولا عيسى ووفاء فرج:
توضح الأرقام الخجولة لتسويق محصول القطن حجم التراجع في زراعة القطن، كما أن حال صناعته يدعو للسؤال، إن كنا فعلاً “نلبس مما نصنع”، أم أن الاعتماد في اللباس بات في ملعب الاستيراد حصراً سواء أكان التصنيع محلياً أو خارجياً.
تسويق 12.6ألف طن
مدير مكتب التسويق في الاتحاد العام للفلاحين أحمد هلال قال في حديثه لـ “الثورة”: إن تسويق محصول القطن لهذا العام مستمر، وحتى الآن وصلت الكميات المسوقة إلى 12.675ألف طن على مستوى المحافظات المنتجة لمحصول القطن، مشيراً إلى أن دير الزور جاءت أولاً بكمية 11129 طناً، والرقة ثانياً بكمية 671طناً، وحماة 482 طناً، وحلب 392طناً.
انخفاض مساحات “محصول القطن
ورأى هلال “أن الكميات الواردة تعتبر قليلة جداً قياساً بما تحتاجه سورية وبما كان ينتج حتى عام 2008، ووصل وقتها الإنتاج إلى مليون طن،” لافتاً إلى أن سبب انخفاض المساحات المزروعة بات معروفاً، ويعود في بعض أسبابه إلى غلاء الأسمدة والكلفة العالية لليد العاملة والفلاحة وكل ما يتعلق بمستلزمات الإنتاج.
فرصة عمل للنساء الريفيات
ونوه “بأن التوجه الحكومي لم يشجع حتى الآن على زراعة القطن، علماً أنها زراعة استراتيجية مهمة لجهة تأمين حاجة بلدنا عوضاً عن الاستيراد، وكذلك على مستوى تشغيل اليد العاملة والقضاء على البطالة”، مبيناً أن أغلب من يعمل بهذه الزراعة هن من النساء القاطنات في الريف، ناهيك عن أن له مردوديته الجيدة.
وأضاف: في عام 2008 تسوقنا مليون طن، وكانت الدعوة وقتها للتخفيف من الإنتاج ليكون ضمن الحاجة الكلية والطاقة الإنتاجية للمحالج، وقدرت الحاجة الفعلية وقتها بـ 160 ألف طن، إلا أن تدمير مشاريع الري من قبل الاحتلال والعصابات الإرهابية المسلحة في المناطق التي تعتبر حاضنة لهذه الزراعة أدى إلى هذا التراجع.
غلاء المستلزمات وحساسية القطن
ولفت إلى أن غلاء مستلزمات زراعة القطن وارتفاع التكاليف أدى إلى إحجام المزارعين عن زراعة القطن، فمثلاً في محافظة حماة هنالك عزوف كبير عن زراعة القطن والتوجه إلى زراعة البطاطا والعطريات، لافتاً إلى أن نبات القطن حساس ويحتاج لعناية خاصة، ويواجه أحياناً إصابات حشرية تحتاج لمبيدات معينة، وعليه لابد من دعم زراعة القطن والاهتمام بتوزيع بذار جيدة لإعادة البريق إلى ذهب سورية الأبيض.
أما الخبير الزراعي أكرم عفيف اعتبر في حديثه لـ “الثورة” أن سياسة تسعير المحاصيل الزراعية تعتبر المسؤول الأول عن تراجع بعض أنواع الزراعات الاستراتيجية، ومنها محصول القطن الذي أدى تراجع إنتاجه إلى ارتفاع فاتورة الاستيراد.
سياسة التسعير
وتابع عفيف رأيه حول تسعير محصول القطن بأن “التسعير الحالي لا يراعي تكاليف إنتاج المحصول، خاصة أن التكاليف ارتفعت بشكل مضاعف سواء على صعيد تأمين المشتقات النفطية أو مختلف أنواع المستلزمات الزراعية.
واتفق مع مدير التسويق بضرورة دعم مزارعي القطن سواء عبر إعطائهم أسعارا مشجعة أو تأمين مستلزماتهم.
من جانبه توقع معاون مدير المؤسسة العامة لحلج وتسويق الأقطان يوسف نفوس، في تصريح له، أن الكميات المتوقع استلامها لنهاية العام تقدر بنحو 14.373 طناً من المناطق الآمنة، علماً أن المخطط حسب وزارة الزراعة بحدود 18 ألف طن.
وأشار إلى أن المؤسسة تقوم بالإنتاج ضمن المحالج العاملة بشكل مباشر، وعلى ضوء الكميات المستلمة والتي يتم استجرارها بشكل مباشر إلى شركات الغزول التابعة للقطاع العام.
كيلو القطن ب10آلاف ليرة
ولفت نفوس إلى أن المؤسسة تقوم حالياً بدفع قيم الأقطان للمزارعين من المصرف الزراعي حسب الكميات المسلمة لكل فلاح حيث بلغت قيمة الكميات المسلمة بنحو 125 مليار ليرة، مبيناً أن التسعيرة صدرت بقرار من اللجنة الاقتصادية بـتحديد 10 آلاف ليرة للكيلوغرام الواحد، تشجيعاً للمزارعين لتسليم كامل المحصول إلى المحالج وزيادة المساحات المزروعة في الموسم القادم.
وذكر أن مؤسسة الأقطان تتسلم 35 بالمئة من القطن، و60 بالمئة من البذار، و5% مخلفات إنتاج، مبيناً أنها قامت بتسليم نحو 7 آلاف طن من بذور زيوت القطن إلى شركات الزيوت في القطاع العام ويستخرج منه الكميات المتبقية (الكسبة) كمادة علفية.
الطباع: نوعية الأقطان وقلتها أفقدتنا الأسواق الخارجية
من جانب آخر وعلى صعيد القطاع الصناعي الخاص أكد عضو اتحاد غرف الصناعة وعضو مجلس إدارة غرفة صناعة دمشق وريفها أدهم الطباع “أن الكميات المستلمة من الأقطان قليلة ونوعيتها ليست كلها جيدة، والأقطان الرديئة تؤدي إلى خيوط رديئة”.وبين أن هناك تدنياً بمساحة الزراعة نتيجة ظروف الحرب التي تعرضت لها سورية، إلا أن باقي حلقات الإنتاج من غزل ونسيج وصباغة وطباعة وصولا للتطريز وللألبسة كلها موجودة في سورية، مؤكداً أنه باستيراد الأقمشة نقضي على باقي حلقات التصنيع في الصناعات النسيجية التي تمنحنا قوة عندما تكون حلقات الإنتاج متكاملة.
ونوه بأنه “يوجد خلط بكميات كبيرة من العوادم والمهملات في معامل الغزل، الأمر الذي يؤدي إلى الحصول على خيوط قطنية رديئة تمنع إنتاج خيوط رفيعة والإنتاج من ١٢، ٢٠، ٢٤، وفي أحيان الخيط ٣٠، كما أن إنتاج معامل الغزل فقط من الخيوط المسرحة وليست الممشطة بسبب سوء رتب الأقطان”.
عدم توفر قطع تبديلية
ولفت إلى أن المشكلة الأساسية هي في نوعية الأقطان المستلمة، وفي المحالج وقدم معامل الغزل وآلاتها، وعدم توفر قطع تبديلية، الأمر الذي يؤدي إلى إنتاج خيوط غير جيدة تؤدي إلى تخفيض الطاقة الإنتاجية ضمن آلات الحياكة والنسيج الآلي نتيجة عمل المكنات بسرعة بطيئة بهدف عدم تقطيع الخيوط، مشيراً إلى أن هذه المشاكل تفقدنا أسواقنا في التصدير.
فتح الاستيراد
واقترح الطباع أن يتم السماح باستيراد القطن المحلوج بشكل مفتوح، وليس مقيداً بمدة محددة، كما جاء بقرار وزارة الاقتصاد، بحيث يقوم التجار باستيراد القطن المحلوج الصناعي، منوهاً بأن التاجر الذي سيستورده إلى معامل الغزل في القطاعين العام أو الخاص أو تصنيع القطن المحلوج بالأجرة، وذلك عندما لا يكون لدى معامل الغزل القدرة المادية لاستيراد كميات كبيرة من القطن المحلوج، أو القيام بضمان أراض في السودان، أو في أماكن أخرى لزراعة القطن، ضمانة وعقود مزارعة لتلبية صناعة الأقطان لإنتاج خيوط بنوعيات جيدة ومواصفات عالية الجودة، بحيث نستطيع تصدير الخيط أو من خلال المنتج النهائي كألبسة قطنية متنوعة إلى الأسواق المجاورة.
حلقة إنتاج متكاملة
وبين الطباع أن إنتاج الخيوط بنوعيات غير جيدة يتم الاستعاضة عنها بأقمشة مستوردة، وأن إعادة تصديرها بعد تصنيعها- كألبسة، لن يعطي قيمة مضافة كبيرة، والأفضل أن يكون الخيط والأقمشة والصباغة والتحضير صناعة وطنية، لافتاً إلى أن سورية من الدول القليلة في المنطقة التي لديها حلقات إنتاج متكاملة من الزراعة وصولاً للقطعة الجاهزة.
وطالب الطباع الجهات الوصائية تسعير الغزول بالأسعار العالمية من دون جمارك وأجور نقل، كما هو مثلاً مسعر في الهند، بحيث تقوم المؤسسة النسيجية بتسعيره وفق الأسعار العالمية، وإن فرق الدعم للفلاح يتحمله الصندوق الاجتماعي أو صندوق دعم المزارعين من خلال وضع رسم ضميمة على استيراد الأقمشة ٣ بالألف أو ٥ بالألف لمصلحة دعم مزارعي القطن بهدف عودة الصناعة النسيجية بكل حلقاتها كما كانت ونعود للتصدير.
وأخيراً.. تتفق الآراء بين مختلف حلقات الإنتاج بأهمية وضع إجراءات أكثر فعالية للتشجيع على زراعة وإنتاج القطن، وكل حلقة لا يمكن لها الاستمرار من دون غيرها من الحلقات، وما يميز محصول القطن الاستراتيجي توفر مختلف حلقات ومفاصل الإنتاج، إضافة لحجم العمالة التي يمكن أن تلحق دوران العملية الإنتاجية والتي تقدر بتشغيل الآلاف من العاطلين عن العمل.