ليس من السهل في مثل هذه الساعات القليلة الحرجة والحاسمة، التي ما أن تنقضي حتى نكون قد تجاوزنا عاماً كاملاً، لندخل إلى مدائن العام الجديد وغياهبه، التي لا نعرف كيف ستكون، ليس من السهل أن نَهُمّ بالكتابة إلاّ عنها وعن هذا العام الواقف على حافة الرحيل، ليتركنا فاسحاً المجال أمام عامٍ آخر على أبواب الوجود كي يصطحبنا لسنة كاملة، وقد علمتنا السنون أن العام الجديد يكون زاخراً بالأفراح والأتراح.. والسعادة والشقاء.. والغنى والفقر.. والأرباح والخسائر.. والشفاء والمرض.. والفشل والنجاح.. والكثير من المتناقضات وصولاً إلى الحياة والموت.
في الأسبوع الماضي أخذ عليَّ بعض الأصدقاء مما كتبته بزاويتي التي كانت بعنوان (بين عكازين) وتخيّلتُ فيها أن الإحباطات التي تراكمت خلال هذا العام الراحل جعلته يرحل بائساً مُتّكئاً على عكّاز مكسور، لأتخيّل بعد ذلك الآمال التي نرجو تحقيقها خلال العام الجديد القادم إلينا بعكازه القوي.. وعساه يبقى قوياً ولا ينكسر، وقد أردت من تلك الصورة الخيالية التعبير عن بشاعة الإحباطات والتشاؤم، وجمال التفاؤل والأمل الذي يمكننا أن نعيشه مجاناً وبعيداً عن التكاليف، وهذا ما يبعث في النفوس نوعاً من الارتياح والطمأنينة بأن ثمة شيئاً جميلاً قادماً.. صحيح أنه قد لا يأتي.. ولكنه قد يأتي أيضاً.. فلماذا نتمسك بالحالة الإحباطية والأمل قائم؟!
قطبٌ من الأصدقاء انضمّ إليّ في هذه الصورة مرحباً بالأمل والتفاؤل، ومتوسماً الخير بتحقيق بعض الأماني في العام الجديد الذي نعيش مهرجان قدومه، بينما أصرّ قطبٌ آخر من الأصدقاء وبشيء من القساوة بأنه غبي كل من يعتقد بأن الآمال والطموحات ستأخذ طريقها إلى التحقق بمجرد الانتقال من عام إلى عام آخر، فالأمور تسير من سيّئ إلى أسوأ، ما يعني أن هذا العام القادم سيكون أشدّ قساوةً وأكثر سوءاً وصعوبة ومعاناة.
أعتقد أننا –نحن في قطب المتفائلين– لسنا من السذاجة بمكان حتى نعتبر أنه بمجرد الانتقال من عام إلى عام آخر هو إيذان بتحقيق الآمال والطموحات والتطلعات، وإنما هو نوع من الرجاء والأماني الطيبة التي نبتغي وجودها ونترقب بنيةٍ حسنة وقلبٍ طيب أن تتحقق، ولا نحسم هذا الأمر–كي نوصم بالغباء– وإنما نرنو إليه متفائلين بحدوثه في المستقبل القادم بغض النظر في أي عامٍ نكون، وهذا أمر بالنهاية ممكن.. وليس في غياهب المستحيل، ولذلك نعيش معه حالةً من الارتياح، ونشعر أن (الإندروفين) وغيره من هرمونات السعادة قد راحت تسري في عروقنا.. ليس من قبيل الغباء والهبل.. وإنما من قبيل الرجاء والأمل.
أما قطب المتشائمين الذين اختاروا أن يعيشوا في عالم مُشبعٍ بالإحباط واليأس، ويعتقدون أن لا أمل ولا رجاء بكل ما هو قادم، فهم بذلك يخسرون متعة التفاؤل، لأنهم يحسمون سلباً ما هو غير محسوم.. ويُخشى عليهم ألا يكون هذا من ضروب الذكاء الشديد.
الصراع بين هذين القطبين ليس جديداً، إنه من قبيل تلك المتناقضات التي تقوم عليها الحياة.. ولذلك سنهمسُ في آذان قطب المحبطين بأنْ “تفاءلوا بالخير تجدوه” وكل عام والجميع بخير.