الثورة – ترجمة ميساء وسوف:
في السادس والعشرين من شهر كانون الثاني الجاري، انتظر الخبراء القانونيون والمحللون السياسيون والناشطون قرار محكمة العدل الدولية المنعقدة في لاهاي.
وكان الموضوع هو أخطر الجرائم، التي تعتبر الأكثر إدانة في القانون الدولي وهو الإبادة الجماعية. والمشاركون الرئيسيون في المحكمة: الطرف المُتهَم ” إسرائيل”، والمُتهِم جمهورية جنوب أفريقيا.
ركزت قضية جنوب أفريقيا، التي تم رفعها في 29 كانون الأول من العام الماضي، على التزاماتها الناشئة بموجب اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها والتزامات” إسرائيل”.
وتمنت جنوب أفريقيا، في قضيتها، أن تحسم محكمة العدل الدولية وتعلن أن” إسرائيل ” قد انتهكت التزاماتها بموجب الاتفاقية، و”تتوقف فوراً عن أي أعمال وتدابير تنتهك تلك الالتزامات، بما في ذلك تلك التي من شأنها أن تؤدي إلى القتل أو الاستمرار في فرض ظروف معيشية قاسية على الفلسطينيين في غزة، واحترام التزاماتها بشكل كامل بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية”.
والعبارة الأخيرة مستمدة من المادة الثانية من الاتفاقية، التي تنص على أربعة أعمال إبادة جماعية: قتل أفراد الجماعة، التسبب في ضرر جسدي أو عقلي خطير لأعضاء تلك الجماعة، الفرض المتعمد لظروف تهدف إلى إحداث التدمير الجسدي، كلياً أو جزئياً، لتلك الجماعة وفرض تدابير لمنع الولادات داخلها.
إن حجم الدمار الهائل الذي أحدثه العدوان الإسرائيلي على غزة منذ 7 تشرين الأول الماضي، دفع فريق جنوب أفريقيا إلى السعي أيضاً إلى اتخاذ تدابير مؤقتة فورية بموجب المادة 41 من ميثاق الأمم المتحدة.
ومن المتوقع أن تستغرق مراجعة حيثيات القضية وقتاً أطول بكثير، وتضمنت هذه المراجعة التعليق الفوري للعمليات العسكرية التي يقوم بها “الجيش الإسرائيلي” في غزة ضد الشعب الفلسطيني، واتخاذ كافة التدابير المعقولة لمنع الإبادة الجماعية، والامتناع عن ارتكاب أعمال بموجب المادة الثانية من الاتفاقية.
ويجب أيضاً أن يتوقف الكيان الإسرائيلي عن طرد الفلسطينيين وتهجيرهم القسري، وكذلك حرمانهم من الغذاء الكافي والماء والوصول إلى المساعدات الإنسانية والإمدادات الطبية وتدمير حياة الفلسطينيين في غزة.
وبأغلبية 15 صوتاً مقابل 2، قبلت المحكمة أن “الوضع الإنساني الكارثي في قطاع غزة معرض لخطر التدهور أكثر قبل أن تصدر المحكمة حكمها النهائي”.
غير أن منح التدابير المؤقتة كان أكثر تحفظاً من ذلك الذي سعت إليه جنوب أفريقيا، وكان من الواضح غياب أي مطلب صريح بأن توقف “إسرائيل” عملياتها العسكرية. ومع ذلك، فإن الحكم لم يقدم سوى القليل من الراحة للقادة في “إسرائيل” من النطاق الإلزامي لاتفاقية منع الإبادة الجماعية، وهي الاتفاقية التي قالوا إنها غير ذات صلة وغير قابلة للتطبيق في إدارة العمليات العسكرية.
ولتحقيق هذه الغاية، كانت” إسرائيل” ملزمة باتخاذ جميع التدابير الممكنة لمنع ارتكاب الأفعال المنصوص عليها في المادة الثانية من اتفاقية الإبادة الجماعية، بما في ذلك من قبل جيشها، ولاسيما منع ومعاقبة “التحريض المباشر والعلني على الإبادة الجماعية” ضد السكان الفلسطينيين في غزة، والسماح بالخدمات الأساسية والمساعدات الإنسانية لقطاع غزة، وضمان الحفاظ على الأدلة المتعلقة بالأفعال المرتكبة ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، ومنع تدميرها، وذلك بموجب المادتين الثانية والثالثة من الاتفاقية، وتقديم تقرير إلى محكمة العدل الدولية حول مدى التزام “إسرائيل ” بهذه التدابير المؤقتة خلال شهر واحد.
وعلى الجانب الآخر من الممر القانوني، تمنت وزيرة خارجية جنوب أفريقيا، ناليدي باندور، أن تكون محكمة العدل الدولية قد استوعبت الأمر لتأمر بوقف العمليات العسكرية.
ولكنها، مع بعض المنطق الذكي، كانت مقتنعة بأن الطريقة الوحيدة التي قد تتمكن بها “إسرائيل” من تنفيذ التدابير المؤقتة ستكون من خلال الوقف الفوري لإطلاق النار.
وقد أعربت وكالة أسوشيتد برس عن الرأي نفسه إلى حد كبير : “سيكون من الصعب تنفيذ ستة أوامر من المحكمة دون الالتزام بالوقف الفوري لإطلاق النار أو وقف القتال”.
وهذا المنطق واضح بما فيه الكفاية، ولكن، في ضوء التصريحات المختلفة التي أدلى بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ومسؤولوه والتي تزعم التشهير والقذف ضد “إسرائيل”، فمن غير المرجح أن يقوموا بتنفيذها.
المصدر- أوراسيا ريفيو