الدواء المر يبقى دواءً رغم أنه مرّ، ولعلّه أكثر فعالية من كل المسكنات خصوصاً تلك التي “بلا طعم ولا لون”.
وفي سياق إدارة النقص والندرة التي لم تعد خياراً بل لزاماً، ثمة الكثير من الأدوية المرّة التي نبدو بأمس الحاجة إليها في مطارح متعددة، قد يكون رغيف الخبز أهمها أو على الأقل أكثرها حساسية.
فرغيفنا شاهد على النتائج الخطيرة للتشوهات السعرية، والفروقات الهائلة ما بين السعر والتكلفة، فسعر ٢٠٠ ليرة سورية زنة ١١٠٠ غرام، ليس بسعر ولا تجوز عليه مثل هذه التسمية، بل هو مجرد رسم زهيد يساوي أقل من ثمن كيس النايلون الذي تعبأ به سبعة أرغفة تكلفتها تصل إلى حوالي ٨٠٠٠ ليرة سورية.
الفرق كبير جداً بكل تأكيد.. وهو مثير للهواجس من عدم قدرة الدولة على تحقيق استدامة توفيره وفق الحصص المدروسة والممنوحة لكل أسرة، بالتالي سيكون خيار تخفيف كتلة العجز – عجز الخبز- في الموازنة العامة للدولة، أحد جرعات الدواء المرّ التي بدأنا بها حديثنا.
لا نظن أن ثمة اختلافاً في وجهات النظر، حول جدلية رغيف رخيص وغير متوفّر، أو رغيف أكثر سعراً بقليل لكنه متاح وبكفاية لا تترك مجالاً لحصول اختناقات على مستوى الوفرة.. بالتأكيد سيكون الخيار الثاني أكثر شعبية فيما لو تم إجراء استطلاع رأي.
التكاليف باهظة والهدر كبير.. وما بين أرقام التكلفة وأرقام الهدر متدثرون كثر بعباءة المواطن بما أن الأخير هو غاية كافة سياسات الدعم الحكومي..
في سلاسل الدعم مستفيدون ومستثمرون و صائدو علاوات وفرص، لاسيما دعم الخبز، بدليل مشهد الباعة أمام الأفران، فمن أين أتى هؤلاء بما يبيعونه؟؟
سؤال بالغ الأهمية ستكون الإجابة عليه مفاجأة كبيرة، فمعظم الخبز المباع في السوق السوداء مصدره بطاقات مدعومة عائدة لأسر لا تستهلكها، ف “تتبرع” بها لمن وجدوا في تجارة الظل مصدراً سخياً للدخل..
سلسلة طويلة من مظاهر استنزاف الموارد، وهدرها واختلال موازين توزيعها، تستدعي استدراكات متوالية، قد يكون من المهم أن تبدأ بتحريك سعر رغيف الخبز قليلاً لتخفيف العجز وتأمين استدامة وفرة رغيف يتوافق السوريون على أنه أهم مظاهر النعمة.. وحفظ هذه النعمة يتطلب تشاركية حقيقية بين الحكومة والمواطن، ولا يجوز أن يتحمل أحد الطرفين العبء كله، والا اختل ميزان الاستدامة وهذا ما لا نحبه لأنفسنا لا مواطنين ولا حكومة..
نهى علي