الحبّ السّائل وسياسة الجيب العليا

الثورة _ يمن سليمان عباس:
مع أن التطور التقني والذكاء الصناعي يجب أن يكونا في خدمة سعادة الإنسان ومن أجله، ولكن على ما أظن فإن أمراض الحضارة أكثر من محاسنها وما يقود إليه هذا التطور يترك أمراضاً اجتماعية عصية على العلاج.
وما من مجتمع خارج نطاقها ولكن نصيبه منها يتوقف على ما يصل إليه من هذا التطور وعلى مدى حصانته الاجتماعية.
هذه الأمراض وغيرها فتحت مجالاً واسعاً أمام علم الاجتماع لقراءة المتغيرات التي وقعت.

ومن الكتب المهمة في هذا المجال كتاب الحب السائل (عن هشاشة الروابط الإنسانية) تأليف زيجمونت باومن يُعد الكتاب من ضمن مجموعة السوائل الثلاثة التي كتبها باومان، والتي ينطلق فيها من تقسيم صورة المجتمع القديمة الصلبة الراسخة المبادئ والأخلاقيات صاحبة اللُحمة التي يصعب فكاكها من حيث العاطفة والحب وعلاقات القرابة، لتختزلها الحداثة وتجسدها في فرد وحسب التحليل الذي تناول هذا الكتاب المهم فإن باومان يحلل الأفراد وطريقة تبدل المفاهيم التي تحمل المسميات نفسها بغير وظيفة، وهنا نراه يتكلم عن الإنسان الجديد المعاصر، الذي تحتمل كل علاقاته مهما كانت قريبة الاستبدال، في كل المجالات الحياتيةـ من علاقات إنسانية كالحب والعائلة مروراً بالعلاقات المهنية والإقتصادية وصولاً إلى السياسة الحاكمة للنظم الكونية. وبهذا يحرر الفرد من عبء أخلاقيات العلاقات الإنسانية بالدرجة الأولى ويفتح الباب على مصراعيه للخيارات السهلة المعلبة البديلة ذات الأثمان البخسة والتي لا تترك ندوباً.
ومراجعة سريعة لفصول الكتاب تدل على عمق الجرح الذي أصاب البشرية من خلال تصدع العلاقات الاجتماعية.
ومن العناوين: الحب والموت، الجيب العلوي، جماعات تراحمية للبيع، تفكيك الاجتماع البشري، نفايات السيادة.
وبالعودة إلى سياسة الجيب العلوي فهي تعني غلبة المصالح على العلاقات بين الناس وإن الخروج من هذه العلاقات حاضر وجاهز في الجيب العلوي متى ما انتهت المصلحة التي كانت تشد.
وحسب المحللين فقد أراد الكاتب من كتابه “الحب السائل” إعادة رسم الصورة المجتمعية الحديثة بطريقة فلسفية واقعية تقرأ كل المتغيرات التي تحدث للفرد في العالم المعاصر الحديث، ومما لا شك فيه أنه قصد تبيان الصورة التي يعتبرها العلماء أصحاب المدارس الكلاسيكية في علم الإجتماع أنها صورة مجتمع مهمش الصلات وبعيد عن جوهر السمة الإنسانية وهدفها الأساسي في الحياة-على أنها صورة طبيعية- ضمن مسار منطقي لتغير وجه العالم الذي استدخلت اليه ثقافة الاستهلاك السريع والعلاقات الإنسانية المتحررة من قيود وأعباء الأخلاقيات التي تشيد بالمنطومات المقدسة كالأسرة والأبناء وعلاقات الحب والتزاوج خاصة تلك الطويلة الأمد، بل وتناول تفسير ارتداد التعلق هذه المعايير البالية على صحة الأفراد النفسية والتي تجعلهم أسرى لتجارب محدودة وأشخاص، تفوتهم فرص أخرى لا يحظون بنعمة تجربتها بسبب الوعود الأزلية في الثقافة الاجتماعية المخلصة لتقديس الصلات بما يرافقها من قيود وقوالب، ولذلك نراه قد فصل الحب عن الرغبة والجنس عن التكاثر أو “العلاقات الصافية”.
وقد تطرَق باومان في كتابه إلى الإقتصاد الأخلاقي في مواجهة اقتصاد السوق، وأبرز كيف أن السياسات العالمية هي التي جعلت الأخير دستوراً قائماً ومعياراً لشعور المواطنون بالسعادة من حيث تبادل النقود وصرفها ليصبحوا إستهلاكيين، قادرين على سد عجزهم وجوعهم النفسي وخواء وحدتهم بالتمركز المرضي حول الذات، متغطين برداء البحبوحة الباذخة، ليسقط أمام هذا السوق الوحش الإنسان القديم ويحل مكانه “إنسان الحداثة الباكرة”.
يختم باومان إن إنساننا الحديث، الهارب من الفضاءات الاجتماعية والخائف من الاختلاط الاجتماعي لسبب أصبح مزروعاً في وعيه الذاتي- وهو عدم الغوص في علاقات متلاحمة، لما فيها من فلسفة معقدة وذات مبادىء باهظة الأثمان، وهو ما قرر أنه لن يستثمر مجهوده النفسي والمادي الحسي فيه- أنه فعلياً خرج من دائرة ديمومة وصلابة العلاقات والروابط، وهو ما فرضته عليه السياسات الإستهلاكَية وتنامي الاحتياجات وتغيرها ومجاراة تغيرها وأصبح إنساناً هشاً سائلاً ذو ندوب عاطفيَة ونفسية، وذا نفسٍ بشرية عارية من الملامح البشريَة، وفضاءً بارداً في مضمونه بعيداً عن الأنسنة في محتواه
أما المؤلف باومان فهو من مواليد 19 تشرين الثاني/ 1925 وتوفي في 9 كانون الثاني/ 2017.
هو عالم اجتماع بولندي: بروفيسور في علم الاجتماع في جامعة ليدز (منذ عام 1990م وأستاذ متقاعد)، عُرف باومان بتحليلاته للعلاقة بين الحداثة والهولوكوست، وأيضاً فيما يتعلق بالمذهبية المادية (الاستهلاكية) لما بعد الحداثة، صدر لباومان ما يقارب الـ57 كتاباً ولديه أكثر من مئة مقال، وأغلب كتاباته كانت تحوي على مواضيع متشابهة مثل: العولمة، الحداثة وما بعد الحداثة، المادية (الاستهلاكية)، وعن النظام الأخلاقي في العصر الحالي.

آخر الأخبار
اليد اليمنى لأسماء الأسد تجعل القانون مسخرة وتفرض استبدادها  سرقة مكشوفة واستبداد واضح في اغتصاب... صناعتنا الدوائية.. توقعات بإنتاجية عالية وجودة متقدمة يفتح آفاقاً تعليمية جديدة... رفع العقوبات فرصة لرفد التعليم بالتطعيم المتطور  سرقة الكابلات تتسبب في انقطاع الكهرباء والمياه بضاحية الشام  الإعلان قريباً عن تأهيل وصيانة محطة التحلية في العتيبة باحثون عن الأمل بين الدمار.. إدلب: إرادة التعلم والبناء تنتصر على أنقاض الحرب  إعلان بغداد: الحفاظ على أمن واستقرار سوريا واحترام خيارات شعبها للمرة الأولى.. انتخابات غرفة سياحة اللاذقية ديمقراطية "الاتصالات " ترفع مستوى التنسيق  مع وسائل الإعلام لتعزيز المصداقية مياه " دمشق وريفها: لا صحة للفيديو المتداول حول فيضان نبع الفيجة  "موتكس" يعود كواجهة لمنتج النسيج السوري إطلاق الوكالة الأولى للسيارات الكهربائية بسوريا وتوريد أول 500 سيارة  ورشة العدالة الانتقالية توصي بتشكيل هيئة ومعاقبة المتورطين بالجرائم  "بطاطا من رحم الأرض السورية"..  مشروع وطني يعيد تشكيل الأمن الغذائي   مشاركون في قمة بغداد: مواصلة دعم سوريا ورفض أي اعتداءات  الوزير الشعار "يطمئن" على معمل الليرمون  بعثة طبية لـ"سامز" تستهدف عدة مستشفيات في سوريا الشيباني أمام قمة بغداد: سوريا لجميع السوريين ولا مكان فيها للتهميش أو الإقصاء البنك الدولي: سعداء بسداد متأخرات سوريا ومجال لإعادة التعامل  بمشاركة سوريا.. انطلاق أعمال القمة العربية الـ 34 في بغداد