الثورة – ناديا سعود:
في تطور قد يشكل انطلاقة جديدة للقطاع الصحي والصناعي في سوريا، بعد سنوات من المعاناة التي عاشها هذا القطاع الحيوي والمهم، يُنظر إلى رفع العقوبات المفروضة على قطاع الأدوية كخطوة مهمة قد تفتح آفاقاً واسعة أمام إنعاش الصناعة الدوائية المحلية وتحسين جودة الرعاية الصحية.
وفي هذا الإطار وصف خبراء ومتخصصون لـ”الثورة”، هذا القرار بأنه بداية مرحلة تحول حقيقية نحو نظام صحي أكثر قدرة على الاستجابة والتطور، وبيئة استثمارية واعدة تستقطب رؤوس الأموال والخبرات العالمية.
تقليص الاعتماد
مدير التخطيط والتعاون الدولي في وزارة الصحة الدكتور زهير القراط، يرى أن رفع العقوبات عن القطاع الصحي والصناعي، وخاصة في مجال الأدوية، يمثل بارقة أمل حقيقية لتحسين جودة الرعاية الصحية وتعزيز الإنتاج المحلي، موضحاً أن القرار سيفتح المجال أمام استيراد الأدوية عالية الكفاءة، ولاسيما تلك المخصصة لعلاج الأمراض المزمنة والخطيرة مثل السرطان، والتلاسيميا، وأمراض الكلى، بالإضافة إلى تأمين المواد الخام الضرورية لتشغيل المعامل المحلية، ما يسهم في زيادة الإنتاج الوطني وخفض تكاليف التصنيع.
وأشار إلى أن الاستيراد الرسمي عبر قنوات قانونية سيقلص الاعتماد على الطرق غير النظامية، ويُخفّض من الأعباء المالية، كما أن الإجراءات الجمركية والإدارية ستكون أكثر سلاسة، الأمر الذي يسرّع من إيصال المواد الدوائية إلى الأسواق والمعامل.
وبيّن الدكتور القراط أن رفع العقوبات سيفتح الباب أمام دخول شركات استثمارية عالمية، وافتتاح معامل جديدة من شأنها تعزيز التنافسية داخل السوق السورية.
فرص عمل جديدة
من جهته، توقع الباحث الاقتصادي عبد العظيم المغربل انخفاض تكاليف الإنتاج نتيجة تحسن سلاسل التوريد وتوفر المواد الخام بأسعار أقل، مبيناً أن الشركات السورية ستكون قادرة على استيراد المواد الفعالة بسهولة وبأسعار تنافسية، بعد أن كانت تعاني من صعوبات بالغة في الحصول عليها بسبب القيود المالية والتجارية.
وأضاف: إن إزالة العقوبات ستشجع الشركات الأجنبية على استئناف تعاملاتها مع سوريا، ما يزيد من تنوع مصادر التوريد ويقلل من المخاطر المرتبطة بالاعتماد على موردين محدودين، كما يسمح للمصانع بتحديث تقنياتها ورفع جودة منتجاتها، ما يعزز القدرة التصديرية ويفتح آفاقاً واسعة لخلق فرص عمل جديدة.
ونوّه المغربل بأن تسهيل التحويلات المالية سيمنح الشركات مرونة أكبر في إنجاز معاملاتها الدولية، ما يعزز سيولتها المالية وقدرتها على التوسع والاستثمار، خاصة في ظل تحسن العلاقات الاقتصادية مع دول الجوار والخليج وأوروبا.
خطوط إنتاج عالية التقنية
الأمين العام للمجلس العلمي للصناعات الدوائية الدكتور نبيل القصير، أكد أن العقوبات الأميركية كانت تشكل عائقاً كبيراً أمام تطوّر القطاع الصحي، وأن العديد من المصنعين اضطروا إلى الالتفاف على العقوبات للحصول على الأجهزة المخبرية والمواد العيارية عبر دول وسيطة، ما أدى إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج وتعطيل عمليات التحديث الفني.
وأشار القصير إلى أن العديد من المواد الأولية كان يُمنع توريدها بمجرد ذكر اسم سوريا، وهو ما سيتغير الآن، مؤكداً أن الفرصة أصبحت متاحة لاستيراد خطوط إنتاج عالية التقنية، وتجديد شهادات الجودة الأوروبية التي كانت متوقفة بسبب العقوبات، ما سيعزز قدرة الصناعة على اختراق الأسواق الإقليمية والعالمية.
ربحية عادلة
من جهته، عبّر الصيدلي حسن محمد عن أمله في أن يسهم رفع العقوبات في توفير الأدوية الضرورية التي كانت نادرة أو منقطعة، ولاسيما أدوية السرطان وغسيل الكلية، مشيراً إلى أن الفترة السابقة شهدت تراجعاً في نوعية الدواء السوري وكفاءته نتيجة ضعف الرقابة، ووجود بعض التجاوزات المتعلقة بالمحسوبيات والرشاوى في منح التراخيص.
وأكد أن المرحلة المقبلة قد تشهد عودة شركات ذات جودة عالية إلى السوق، مع فرض رقابة أكثر صرامة على الإنتاج الدوائي، بما يضمن تحسين النوعية وتحقيق هامش ربح عادل للصيادلة.
في المجمل، يُعد رفع العقوبات عن القطاع الصحي السوري خطوة محورية باتجاه إعادة تأهيل الصناعة الدوائية، بما يعزز من جودة الخدمات الصحية، ويضع البلاد على طريق الاستقلال الدوائي والتكامل الاقتصادي الإقليمي، وسط آمال واسعة بأن تشهد الفترة المقبلة تحوّلاً نوعياً في هذا القطاع الحيوي.