الثورة – لميس علي:
في مقدّمة كتابه “الإنسان يبحث عن المعنى”، كتب عالم النفس فيكتور فرانكل: (لا تهدف إلى تحقيق النجاح، فكلّما جعلت النجاح هدفاً لك أخفقت في تحقيقه، النجاح مثل السعادة، لا يمكن أن تلاحقه، إنما يجب أن يأتي هو إليك كنتيجة لِما تقوم به.. عليك أن تدعه يحدث من دون الاهتمام به، أريدك أن تستمع إلى ما يأمرك به ضميرك، وأن تواصل فعل ذلك على حدّ علمك فيه، بعد ذلك ستعيش لترى على المدى البعيد أن النجاح سيتبعك بدقة لأنك ستكون نسيت التفكير فيه).
على نحو ما، يتقاطع كلام فرانكل مع ما ذكره الروائي جوزيه ساراماغو عن السعادة: (عندما تكبر ستريد أن تكون سعيداً، أنت الآن لا تفكر في الأمر ولهذا بالذات أنت سعيد، عندما ستفكر، عندما تريد أن تكون سعيداً ستكف عن البقاء سعيداً إلى الأبد..
كلّما كانت رغبتك في السعادة أقوى ستكون أكثر تعاسةً، السعادة ليست أمراً نكسبه).
النجاح والسعادة.. مفردتان ترتبطان ببعضهما
وفق ما ذكر فرانكل وساراماغو، يحدث الأول: من دون أن تهتم به.. والثانية: من دون أن تفكر بها. كأنهما يقولان: علينا أن لا نلحظ، ببالغ الانتباه، ما نبتغيه. يبدو أننا يجب أن ننتشل ذواتنا من أمواج (الأهداف/الرغبات) العاتية الكبيرة..
ألّا نرغب بكلّ قوتنا.. وألّا نضع كلّ طاقتنا في هدف وحيدٍ وغايةٍ واحدة. هل يعني ذلك أن نتحرر من التركيز على (عناوين الحياة الكبرى)..؟ وكأننا نحرر طاقات هائلة من حصرها في التفكير باتجاه وحيد.. وبالتالي نطلق لها عنان (الانتشار)، فتصبح أكثر تأثيراً.
(كنتيجة لِما نقوم به).. كأثرٍ جانبي (لإخلاصنا لهدف أكبر من ذواتنا) يأتي النجاح وتلحق به السعادة، وكلّ مفردات الحياة الهانئة التي تمنح المرء معنى لوجوده.
مجمل الحالة تشبه أن نجعل (الطاقات، الرغبات) حرّة.. وكأنها تسبح في فضاء أوسع من نطاق يحدّها ويؤطّرها.. بمعنى أن لا يتم حصرها وتوجيهها نحو هدف محدّد ومحصور.. فكلّما حُصرت استنفدت قدرتها على أن تكون فاعلة. حينها.. كشيء غير متوقع، تأتي أشياءٌ وجمالياتٌ كما لو أنها جائزة لعيش أمعن في نسيان التفكير بأهداف وغايات تتقن تمويه الفضائل الأصيلة للحياة. وكل ذلك يشبه شيئاً ما أطلق عليه فرانكل (التسامي بالذات).. برأيه الهدف الحقيقي لوجود الإنسان لا يكون بتحقيق الذات، فكلّما سعى إليه الإنسان كلما أخفق في الوصول إليه.
الوصول إلى تحقيق الذات يكون ممكناً إذا نظر إليه المرء (كأثر جانبي للتسامي بالذات). في الكثير من العلوم، ثمة ما يُطلق عليه آثار جانبية.. كما تلك التي توضع في نشرات الأدوية. بعض تلك الآثار الجانبية لبعض العقاقير الطبية تحوّلت لتصبح علاجاً بحدّ ذاتها لحالات صحية مغايرة لتلك التي وصفت لأجلها.
وهو بالضبط ما تحدث عنه كلّ من فرانكل وساراماغو.. لكن من دون توقع وممن دون انتظار.. عندها ستأتي، كآثار جانبية، جمالياتٌ نسينا التفكيرفيها.. تدهشنا كما تكون أصدق الدهشات.