باحثون عن الأمل بين الدمار.. إدلب: إرادة التعلم والبناء تنتصر على أنقاض الحرب 

الثورة – علا محمد:

“الوضعٌ كارثي، فما زال الركام بين أقدام الأطفال في مدرسةٍ خالية من النوافذ والأبواب وخدمات الصرف الصحي”، بهذه الكلمات وصف المدرس محمود العبّي لـ”الثورة” واقع المدرسة التي عاد إليها في كفرنبل.

بعد سنواتٍ طويلة من الانتظار والصبر ما بين قصف واستهداف بمختلف الأسلحة، تلاه تهجير ونزوح إلى مخيمات شمالي غربي سوريا، بدأت بعض العائلات تتلمس طريق العودة إلى ريف إدلب الجنوبي والشرقي، الريف الذي نزح أهله هرباً من ويلات الحرب والقصف.

عادوا، إلا أن بيوتهم المدمرة والمنهوبة كانت بانتظارهم، وليست البيوت فقط، إنما المدارس والمؤسسات الحكومية أيضاً لم يستثنها القصف وعبث جنود قوات النظام المخلوع، فغدا بعضها مدمراً بالكامل والبعض الآخر منهوب الأسقف والأثاث.

كفرنبل.. الواقع المتردي

في مدينة كفرنبل الواقعة جنوب محافظة إدلب، واقع متردٍّ للبنية التحتية عموماً، ما شكل عائقاً أمام عودة جميع العائلات المهجرة من المدينة.

محمود العبّي مدرس اللغة الإنكليزية عاد من رحلة النزوح إلى مدينته ليؤسس لأولى المدارس في المدينة، في تحدٍّ للواقع المرير الذي تعاني منه المدرسة وبقية المدارس.

بلا أثاث أو أبواب أو نوافذ، افترش تلاميذه الأرض، في مدرسة “الشهيد أحمد علوش” المدمرة تدميراً جزئياً نتيجة التخريب من قبل قوات النظام المخلوع.

هي المدرسة الوحيدة التي عادت تتنفس الحياة في كفرنبل، وضمت منذ إطلاق العمل فيها قبل قرابة الشهرين 20 طالباً وطالبة، وبعد فترة قصيرة ازداد العدد تباعاً حتى وصل اليوم إلى 250 طالباً وطالبة موزعين على 6 شعب.

إلى جانب العبي، يشرف على الطلاب كادر تدريسي لا يتجاوز عددهم 7 مدرسين، يعملون بكامل طاقاتهم لتأدية واجبهم، وفق العبي، آملين من الحكومة أن تنظر في وضع التعليم في العام الدراسي المقبل.

خلال الشهرين الماضيين، بذل العبي جهوداً كبيرة للفت الأنظار إلى المدرسة التي عاد إليها مع تلاميذه، عبر مطالبة المنظمات المحلية والفعاليات الأهلية للمساعدة في تأمين الأثاث ومستلزمات العملية التعليمية.

سراقب.. تحدٍّ وإصرار

العودة إلى الريف المدمر لم تترافق مع سبل العيش الكريمة ولا حتى أدنى مقومات الحياة، لكن إرادة الأهالي في العودة والبناء كانت أقوى من الدمار والألغام وبقايا مخلفات الحرب، وكانت الباعث على الأمل.

سراقب تعكس المشهد نفسه بعودة ما يقارب ألف عائلة، شجعها على ذلك وجود مدرستين بوضع مقبول من أصل 22 مدرسة مجهزتين تجهيزاً جزئياً فقط، بحسب الصحفي السوري محمد أصلان، ابن مدينة سراقب.

أصلان، وصف لنا حجم الدمار الكبير الذي لحق بالبنى التحتية والقطاع التعليمي، وكحال غيرها من المناطق المحررة، لا يوجد مدرسة مجهزة للتعليم الأساسي والثانوي، الأمر الذي يمنع طلاب هذه المراحل من التعليم.

وعن ذلك أفادنا أصلان بتلقيهم وعوداً من المنظمات الدولية والمحلية للتركيز على الواقع التعليمي، إلا أنه حتى اللحظة لم تترجم هذه الوعود على الأرض.

لكن بحسب مديرية تربية إدلب سيتم العمل خلال العطلة الصيفية على ترميم 80 في المئة من المدارس التي تصلح للترميم.

خان شيخون.. البحث عن الأمل

تلك الهمجية التي تعامل بها النظام المخلوع في هذه المناطق جعلت حتى المدارس القائمة غير قادرة على استيعاب الطلاب العائدين من نزوحهم بسبب الخراب الذي لحق بها.

النظام المخلوع سيطر على المدينة عام 2019، بعد حملة عسكرية دمرت نسبة كبيرة من أبنية المدينة، كما حول بعض مدارسها التي نجت من الدمار إلى ثكنات عسكرية، أو مؤسسات أمنية.

بعد تحرير المدينة في كانون الأول الماضي، تكشفت الصورة عن واقع الحال في خان شيخون التي يعاني القطاع التعليمي فيها من صعوباتٍ كثيرة، كما روى لنا المدرس أديب هنداوي.

أولى تلك الصعوبات قلة الدعم اللوجستي في المدارس القائمة، من مقاعد وطاولات وغيرها من الأثاث والوسائل التعليمية، بالإضافة لقلة الدعم المالي الذي دفع بعض المعلمين إلى ترك المهنة ضمن هذا القطاع والاتجاه نحو العمل الحر الذي يكسبهم مالاً يضمن عيشهم.

 إحصاءات

شهادات قاسية ومؤلمة رسمت لنا صورة مؤلمة نكاد نسمع أنينها، من مختلف المناطق في أرياف إدلب وحلب وحماة، ما دفعنا للتواصل مع مديرية الأبنية المدرسية في “وزارة التربية”.

وبحسب مدير الأبنية المدرسية في الوزارة، المهندس محمد الحنون، فإن 8 آلاف مدرسة خارج الخدمة في عموم سوريا، وذلك بأضرارٍ متفاوتة.

وافاد بأن أكثر من 50 في المئة من الأضرار هي إنشائية، حيث بدأت المديرية منذ سقوط النظام المخلوع بحملات تقييم احتياج موزعة على كافة المحافظات السورية، ووصلت حتى الآن إلى تقييم احتياج ما يقارب 2400 مدرسة.

أكد الحنون لـ”الثورة” أن العمل جارٍٍ على ترميم وتأهيل ما يقارب 360 مدرسة، وأن أعمال الترميم والتأهيل انتهت لما يقارب 80 مدرسة منذ سقوط النظام.

إدلب..” صورة مأساوية”

في إدلب على وجه الخصوص “الصورة مأساوية أكثر”، فهي مدمرة بالكامل بحسب الحنون الذي أطلعنا على وجود 510 مدارس متضررة، وبمتابعة أعمال الترميم تم افتتاح 54 مدرسة.

بدوره أكد الحنون على بدء تنفيذ خطة لإعادة إعمار المدارس الموجودة في القرى التي هُجر أهلها منها، وذلك لتسهيل عودة الطلاب وعائلاتهم، فهذه العودة مقرونة بجاهزية المدارس.

وأرفق تأكيده لنا بإحصائيات تثبت أن مديرية الأبنية المدرسية عملت على تقييم احتياج 119 مدرسة متضررة في منطقة معرة النعمان، وأن أعمال الترميم بدأت في 11 مدرسة وتم افتتاح 3 مدارس.

وبصورة أدق أشار إلى وجود 42 مدرسة متضررة، قيمت المديرية احتياجاتها في خان شيخون، وأعمال الترميم جارية في 7 مدارس.

ومن جهة أخرى قيمت المديرية احتياج 55 مدرسة في منطقة سراقب وبدأت بأعمال الترميم في 3 مدارس، وافتتحت مدرسة واحدة حتى الآن، وفق مدير “الأبنية المدرسية”.

وأكد الحنون أن “أعمال الترميم مستمرة، لن تتوقف حتى ترميم آخر مدرسة في إدلب وعموم سوريا”.

خطط مستقبلية

توجهنا بالسؤال إلى مديرية تربية إدلب لمعرفة خطتها الحالية لدعم واقع التعليم والأسر العائدة، فأجاب معاون مدير التربية في إدلب وليد حمادي مؤكداً اهتمامهم بإعادة تأهيل المرافق التعليمية في المناطق التي شهدت عودة المهجرين في ريف إدلب.

وبحسب الحمادي، وضعت المديرية خطة عمل، قسمها الأول مرتبط بلجان مجتمعية بالتنسيق مع مديرية التربية، تشمل الترميمات الخفيفة، والقسم الثاني بالشراكة مع المنظمات الإنسانية المحلية والدولية وقد نفذت عدة مشاريع على أرض الواقع.

وأفاد حمادي بأن عدد الطلاب العائدين إلى قراهم يقارب 55 ألف طالب وطالبة حتى لحظة إعداد التقرير، مضيفاً: “لذلك تعمل مديرية التربية على توفير المستلزمات الأساسية للمدارس من مقاعد وسبورات وغيرها من اللوجستيات الخاصة في المدرسة والأثاث اللازم، لضمان استقرار الطلاب تعليمياً”.

وحول رفد الكوادر التعليمية لهذه المناطق أوضح أنه تمت الموافقة على كل طلبات النقل المقدمة من الكوادر العاملة في التربية إلى مناطقهم الأصلية.

وأشار إلى أن المديرية “ستبذل كل الجهود لإعادة الحياة التعليمية الآمنة بما يليق بجميع الطلاب”.

التحديات كبيرة، لكن القلوب مفعمة بالأمل، فكل خطوةٍ نحو إعادة بناء التعليم تعني خطوة نحو بناء مستقبل أفضل في هذه المناطق المنكوبة، وإن استمرار جهود الترميم سيكون له تأثير حاسم على عودة الحياة بشكل أفضل إلى المناطق المتضررة، في انتظار يومٍ تعود فيه الحياة إلى طبيعتها، ولتبدأ سوريا مرحلة جديدة عنوانها الحياة.

آخر الأخبار
خبير مصرفي لـ"الثورة": الاعتماد على مواردنا أفضل من الاستدانة بين المصالح والضغوط.. هل تحافظ الصين على حيادها في الحرب الروسية-الأوكرانية؟. مفوضية اللاجئين تتوقع عودة نحو 200 ألف سوري من الأردن بحلول نهاية 2025 السيف الدمشقي.. من فولاذ المعركة إلى برمجيات المعرفة إعادة دمج سوريا بمحيطها العربي مؤشر على تشكيل تحالفات جيوسياسية واعدة عبر البوابة البريطانية.. العلاقات السورية الأوروبية نحو انطلاقة جديدة امتحان الرياضيات لطلاب البكالوريا المهنية- المعلوماتية: بين رهبة المادة وأمل النجاح الخبيرمحي الدين لـ"الثورة": حركة استثمارية نوعية في عدة قطاعات الرئيس الشرع يتقلد من مفتي الجمهورية اللبنانية وسام دار الفتوى المذهَّب حرب إسرائيل وإيران بين الحقائق وإدعاءات الطرفين النصرالمطلق ألمانيا تدرس سحب الحماية لفئات محددة من اللاجئين السوريين "قطر الخيرية" و"أوتشا".. تعزيز التنسيق الإنساني والإنمائي في سوريا بعد 14 عاماً من القطيعة .. سوريا وبريطانيا نحو شراكة دبلوماسية وثيقة 10 مناطق لمكافحة اللاشمانيا بدير الزور الاقتصاد الدائري.. إعادة تدوير لموارد تم استهلاكها ونموذج بيئي فعال الحرائق في اللاذقية .. التهمت آلاف الهكتارات من الغابات والأراضي الزراعية 1000 مستفيد في دير الزور من منحة بذار الخضار الصيفية الحشرة القرمزية... فتكت بشجيرات الصبار مخلفة خسائر فادحة مشكلات تهدّد تربية النحل بالغاب.. ونحالون يدعون لإحداث صندوق كوارث الأتارب تُجدّد حضورها في ذاكرة التحرير  الثالثة عشرة