الثورة – سعاد زاهر:
” جوى منلا” حملت جذورها ومضت منذ كانت طفلة، غادرت سوريا قبل أكثر من أربعة عشر عاماً، مع والدها الفنان عبد القادر منلا، مضياً على عجل بعد أن رفضا كل ما يتعرض له الشعب السوري حينها.
حاولت “جوى” التأقلم مع بلاد جديدة عبرت بعضها سريعاً مثل “مصر، تركيا…” ولكن ذلك العبور السريع لم يمنعها من أن تنهل من موسيقا تلك البلدان وتتلمذ موسيقياً على يد أهم أساتذة الموسيقا في مصر وتركيا، إلى أن استقرت في هولندا، حيث تتابع دراساتها العليا في معهد كودارتس روتردام.
لفترات طويلة بدت فاقدة الأمل من العودة إلى بلدها، إلى أن انتعش أملها بعد التحرير، كما صرحت مؤخراً لراديو “مونت كارلو”، في حديثها عن تجربتها الموسيقية الجديدة، ضمن العرض الموسيقي الضخم “سيبيلا” الذي يعرض حالياً في فرنسا.
تقول الميتزو سوبرانو وعازفة العود “جوى منلا” لـ”الثورة”: قبل أي شيء، لقد عاد أملي بالعودة إلى بلدي بعد التحرير، وأتمنى أن أحقق حلمي بإنشاء مدرسة موسيقية في سوريا.
أسطورة ميثولوجية
أما عن عرض “سيبيلا” الذي تشارك فيه فتقول عنه: إنه تجربة مختلفة فحين وافقت للوهلة الأولى، لم أتوقع أنه على هذا القدر من الضخامة، وهو مستوحى من أسطورة ميثولوجية إغريقية، يحكي عن كاهنة اجتازت العصور وعرفت بقدرتها على التنبؤ بالمستقبل، فهي ليست أسطورة يونانية فقط، بل أصبح هناك عدة سيبيلات في شرق المتوسط.
ولفتت إلى أن رسالة العرض تربط بين الماضي والحاضر، معلنة أن مشاعر مثل الغيرة والحسد ومختلف الشرور، لم تبقَ حبيسة الماضي، بل نعيش امتداداً لها، نقول ذلك في مواجهة الجمهور الذي نعيش معه سؤالاً حول “سيبيلا” الخاصة به سلباً أو إيجاباً…؟ لنثبت في النهاية أنه يمكن أن نكون معاً رغم الاختلاف.
تتابع جوى: هو تحدٍّ كبير بالنسبة لي ليس فقط لأنني أغني الإيطالية للمرة الأولى ، بل أيضاً لأنني أعزف العود مع آلات غربية.
يشارك في العمل 14 فناناً على المسرح من جنسيات مختلفة، لمدة 90 دقيقة، يجمع بين الموسيقا وكل عناصر العرض المسرحي من سينوغرافيا وحركة.
جذور بعيدة.. رحلة شخصيّة
“سيبيلا” العرض الموسيقي الذي يقدم حالياً على أعرق مسارح أوربا، سبق هذه التجربة الموسيقية، ألبوم” distant root جذور بعيدة” فيه مشاعر عميقة عن رحلة الانسلاخ عن الجذور، الحنين إلى الوطن، إلى الطبيعة المألوفة، إلى الذكريات.
عن هذا الألبوم تقول جوى: في عام 2019، حين زرت اسبانيا وتحديداً مدينة قرطبة في الأندلس، كنت وحدي أمشي في الحارات، وفجأة وجدت تمثالاً لابن زيدون لمحت من بعيد كتابة بالعربية، عندما اقتربت وجدت بعض الأشعار مكتوبة بالعربية ومترجمة، بحثت عن الأمر، ودخلت إلى قصر الحمراء لأرى الكثير من الكتابات العربية.
كانت لحظة خاصة جداً، أن أتلاقى مع العربية بعد غياب أحرفها عني لوقت طويل، في تلك اللحظة فهمت أن جسدي عاد إلى مكان معين، وشعرت بعمق ما أعيشه، عندما قرأت الشعر وأحسست به، داهمني لحن، فلحنت أول قصيدة لولادة، وأنا أمام التمثال، مصممة على غنائها فيما بعد.
دمجت في ألبوم “جذور بعيدة” كل ما تعلمته في رحلتي الموسيقية، أن يكون لكل مقطوعة معنى معين وأسلوب تأثر بنوع موسيقي، وصولاً لترجمة المعاناة التي شعرت بها وهي أنني شجرة قطعت في مكان، وكبرت في مكان آخر.
هذا الإحساس كان يؤلمني دائماً كنت أتساءل في كل حفلة، لو أنني أعزف الآن في سوريا، كيف يكون الحال…؟ كيف سيتلقى الجمهور السوري موسيقاي…؟ لطالما امتلكت هذه الغصة، حين أستمع لتصفيق الجمهور الغربي، أقول ليتها كانت في بلدي وبين جمهوري.
بالتأكيد ليست السورية الوحيدة التي عانت، بل أهلي، أصدقائي، أحببت من خلال هذا الألبوم أن أوضح أنني صحيح أنجح في مكان بعيد عن بلدي، لكن يرافق هذا النجاح، شيء يختفي مع مرور الوقت، وأنا لا أريد أن يختفي هذا الجزء.
محطة مهمة
محطّة مهمة في حياة جوى الموسيقية، وهي مشاركتها قبل عدة سنوات في العزف في عيد ميلاد ملك هولندا، برفقة شقيقتها شذى منلا، التي تدرس الموسيقا أيضاً، وكانا قد أسسا عدة فرقة موسيقية في عمر مبكر، مثل فرقة قاسيون، وفرقة صبا.
جوى التي ولدت في مدينة حلب، الشهيرة بموسيقاها وتاريخها وفنونها، كان العود رفيق ترحالها وأوقاتها الصعبة، اختارت دراسته في أكاديمية “روتردام”، حيث نالت شهادتها الجامعيّة في الموسيقا العالميّة اختصاص عود في الموسيقا العربية والتركية مازالت تتابع دراستها العليا في “روتردام” اختصاص علاج موسيقي، ومن المتوقع أن تنال شهادة الماجستير بعد أشهر قليلة.