الملحق الثقافي-رنا بدري سلوم:
«كلام الجّرائد لا ينفع» يا بني، فهم أولئك الذين يكتبون في الجرائد يجلسون في مقاعد مريحة وفي غرف واسعة فيها صور وفيها مدفأة ثم يكتبون عن فلسطين وعن حرب فلسطين، وهم لم يسمعوا طلقة واحدة في حياتهم كلّها، ولو سمعوا إذن، لهربوا إلى حيث لا أدري» من مقولات أدب غسان كنفاني، لو تدري يا غسّان أن مئة واثنين وعشرين صحفياًّ ارتقوا على أرض غزّة كتبوا بحبر دمائهم أخبارهم العاجلة، لم يهرعوا من صوت الموت، ليوصلوا صورة الظّلم والقهر والعدوان، ارتقوا وهم يحترقون بنار القذائف ويذوقون وأطفالهم سياسة الرّعب والتجّويع، صحفيّون ارتقوا بغارات جويّة استهدفت منازلهم وعائلاتهم، بعد أن اختاروا البقاء، ظلّوا ينشرون أخبار حرب غزّة بأدوات عصرنا، الفيسبوك ومجموعات الواتساب الإخبارية حتى لحظة استشهادهم، ما برحوا محراب الكلمة الحّق. انظر يا كنفاني كيف أنّ المقاومة لم تكن قشرة، بل كما وصفتها ثمرة ضاربة جذورها عميقاً في الأرض، إنّها إرادة التّحرير والمقاومة والتّمسّك الصلب بالجذور والمواقف، آلاف الأطفال كناديا يبتسمون تحت اللّهب والقنابل وهم مبتورو الأطراف هي الأرض الولادة بالصّامدين، الأرض الخصبة التي تنجب كل يوم أحراراً يعزّزون ثقافة الانتماء والتجذّر في غصن الزّيتون الصّامد والبرتقال رغم حزنه، باقون يا غسّان…لن يعبر جريان الدّم بصمت، لن يهدأ غضب الدّم، فجمرِ محابرنا سيلوّن شرائط حدادِ كلّ صورة معلّقة على وجهٍ باسم كانت ابتسامته الخيط الأخير مع الشّمس.
العدد 1179 – 27 -2 -2024