الملحق الثقافي- نبيل فوزات نوفل:
أثبت تاريخ البشرية أن قوة الشعوب والأمم تنبع من قدرتها على امتلاك المعرفة والعلم والبحث العلمي، فهي التي تعطي للثروات الطبيعية قيمة، وللموقع الجغرافي قيمة،فمن لا يمتلك العلم والتكنولوجيا المتطورة يبقى ضعيفاً غير قادر على صون سيادته وثرواته. وكما نعلم فقد حققت مدرسة العلم العربية خطوات رائدة في هذا المجال، وترك الكثير من العلماء العرب بصماتهم في مسيرة الحضارة البشرية، وقدموا إنجازات عظيمة،لكن ظهور قوى الإمبريالية التلمودية، أدى إلى معاناة الشعوب من التجهيل والحرمان من امتلاك العلم الحقيقي والمفيد وخاصة في مجالات التكنولوجيا المتطورة، بغية تدمير المجتمعات، والهيمنة عليها، حيث رسم قادة قوى الاستكبارالعالمي الخطط لاستباحة مراكز العلم، وفي مقدمها الجامعات، فقد جاء في البروتوكول/ 16 / من بروتوكول حكماء صهيون: «رغبة في تدمير أي نوع من المشروعات الجمعية، غير مشروعنا، سنبيد العمل الجمعي في مرحلته التمهيدية، أي إننا سنغير الجامعات، ونعيد إنشاءها حسب خططنا الخاصة».
كما أكد التلموديون في بروتوكولاتهم ضرورة تدمير القيم التربوية في المجتمعات، بالقول: «علينا أن نقدم المبادئ التربوية التي تمكننا من تحطيم بنيانهم الاجتماعي بنجاح»، وحين نستحوذ على السلطة، سنبعد من برامج التربية كل المواد التي يمكن أن تمسخ عقول الشباب، وسنصنع منهم أطفالاً طبيعيين يحبون حكامهم،وسنهتم بدراسة التاريخ القديم الذي يشتمل على مُثل سيئة، أكثر من اشتماله على مُثل حسنة، وسنطمس في ذاكرة الإنسان العصورالماضية التي قد تكون شؤماً علينا، والتركيز على التفرقة بين الطبقات الاجتماعية، وعندما نستولي على الحكم سنمحو كل أنواع التعليم الخاص، أما قبل ذلك فهي مهمة دائمة لخصخصة التعليم، لتدمير المجتمعات غير اليهودية». لذلك تم التركيز على زرع العقل في شعوب العالم بأوهام العلم النظري، والتربية البرهانية، والتقليل من العلوم العملية التقانية، فقد جاء في البروتوكول16:ضرورة نظام التربية البرهانية، التعليم بالنظر، تعليم الناس الحقائق عن طريق البراهين النظرية، والمناقشات الفكرية، والمضاربات الذهنية، لا التعليم عن طريق ملاحظة الأمثلة، وإجراء التجارب عليها للوصول إلى الحقائق أو القواعد العامة.
ومن يلاحظ نظام التربية في وطننا العربي خاصة، يجدها برهانية في معظمها، حيث تهتم بإثبات الحقيقة بالبرهان النظري عليها، ومن شأن هذه الطريقة أن تفقد الإنسان ملكة الملاحظة الصادقة، والاستقلال في إدراك الحقائق، وفهم الفروق الكبيرة والصغيرة بين الأشياء المتشابهة ظاهراً، وهي على العكس من طريقة التربية بالمشاهدة، والملاحظة، والتجربة، ودراسة الجزئيات، وهذه الطريقة تُعوِّد الإنسان على حسن الملاحظة، والاستقلال الفكري، والتمييز الصحيح بين الأشياء، فالتربية البرهانية غالباً استدلالية، ولم تتقدم العلوم، وتتكشف الحقائق منذ عصر النهضة إلا بإتباع الطريقة الاستقرائية التجريبية، وضرر التربية البرهانية أكثر من فائدتها، فهي تمسح العقل، وتمد له في الغرور، والكسل،والتواكل.
لقد لعبت عوامل كثيرة في تراجع التعليم والثقافة في معظم بلدان العالم ومنها الوطن العربي وفي مقدمتها، السياسات الاستعمارية والحروب التي شنتها الولايات المتحدة الأميركية على الوطن العربي تحت بدع وأكاذيب باطلة، ولتسهيل تحقيق مشروعها بدأت بتخريب الثقافة والعلم، من خلال اختراق مؤسسات التربية والتعليم في معظم الوطن العربي عبر مستوطنات فكرية وسياسية واقتصادية لكي تسطو على المفاصل الحساسة في هذه الدول، ويعيثوا بها فساداً وتخريباً ونشر الفكر العفن، والعلم الذي لا ينفع، ومحاربة العقل، والإبقاء على الخرافات، وبالتالي تحقيق مشروع ورؤى بروتوكولات حكماء صهيون،وجسدت ذلك من خلال:
تحريك مستوطناتها تحت ما يسمى الربيع العربي المدعوم من قبل واشنطن، والتي خطت مراحله أقلام الحاخامات الصهيونية للقضاء على البنى التحتية في الدول العربية، وتشويه العقل العربي، وتسلم القوى الظلامية المتخلفة قيادة معظم الدول العربية للقضاء على كل بارقة آمل في الوطن العربي، مستخدمة القوى الظلامية التي ربتهم في أقبية استخباراتها، ومن تم شراؤهم من قبل العملاء والخونة تحت شعارات براقة من أصحاب الفكر العدمي المجردين من الانتماء والهوية، والذين يتمتعون بروح الخنوع والاستسلام.
إن الطريق للمستقبل المزدهر، هو الحفاظ على أجيالنا المتعلمة علماً ينفع، بسبب التغيرات التي ستحدث على وظيفة العمل والعلم في المستقبل، حيث تتجلى فكرة تغيير العمل في ظاهرتين:
1-تراجع المهارات التقليدية في مواجهة التكنولوجيا التي تحل محلها.
2-تغير جذري يهم أنماط المؤسسات والشركات وتوطين وتغير طبيعة خدماتها، وطرائق اشتغالها وارتباطها بالشبكات التواصلية (مجلة المعرفة، العدد673 تشرين الأول 2019،وزارة الثافة سورية،ص47،الزبير مهداد)أي إن مستقبل العمل ستطبعه التكنولوجيا، وسيتطلب تعلماً مدى الحياة لاكتساب متجدد للقدرات الفائقة للتأقلم مع مستجداتها بسرعة تغيرها المستمر،لتلبية الطلب المتزايد على:
1-مهارات معرفية نوعية ومتقدمة.
2-مهارات سلوكية اجتماعية .
3-مهارات مرتبطة بزيادة القدرة على التكيف.
فالتكنولوجيا تتيح فرصاً لخلق وظائف جديدة وزيادة الإنتاجية الأمر الذي يقتضي الاستثمار في رأس المال البشري لاستفادة الأجيال من الفرص الهائلة التي تتيحها التكنولوجيا الحديثة للارتقاء بمستوى العيش وجني المكاسب المالية.
ويعد التعليم أهم استثمار ولضمان نجاعته،يجب أن يكون مستمراً ودائماً، وجيداً قادراً على إيصال المتعلم إلى البيئات الاقتصادية والاجتماعية المكملة والاستعانة الذكية بالتكنولوجيا، ويبدأ من الطفولة المبكرة، فرأس المال البشري سيكتسي في المستقبل قيمة كبرى،لأن وظائف المستقبل تتطلب مهارات معقدة، وقدرات في التفكير النقدي والتعاون والعمل الشبكي والمتواصل، ما يحتم على المؤسسات التعليمية القائمة اليوم تغير مناهجها وخططها وطرائق عملها، فالمستقبل يعد بتحولات كبرى فيجب التخطيط لإتاحة الفرصة للأجيال القادمة للاستفادة منها. وهذا سيؤدي إلى تحسن معدلات النمو الاقتصادي والحد من الفقر ما يؤدي إلى الاستقرار في المجتمعات.
إن الاستثمار الفكري رأس مال الحاضر والمستقبل وهو الثروة الأهم للشعوب، ويقصد به المعرفة التي يمكن تحويلها إلى ربح، وهو يرتبط بمفهوم التنمية الشاملة، فمعظم الدراسات تؤكد أن المكاسب تزداد بزيادة التعليم والتدريس كماً وكيفاً، من خلال مؤسسات تربوية وبحثية متعددة متمثلة في الجامعات والمعاهد العليا ومراكز البحث العلمي، وهذا يتطلب التعليم المستمر،الذي له بداية وليس له نهاية (للاستزادة يمكن العودة إلى نبيل فوزات نوفل،مجلة المعرفة، ص55)، العدد673 تشرين الأول 2019،وزارة الثقافة، سورية).
على أي حال، فهذه الأمة حية، وفيها من الأبناء الأحرار والعلماء ما يمكنها من بناء حضارة متقدمة، والتخلص من كل القوى الكابحة لتقدمها الفكرية والسياسية والاقتصادية، وما على أصحاب القرار السياسي إلا تمكين الشرفاء المخلصين من امتلاك زمام الأمور، والبحث عن رجال العلم المخلصين لأمتهم وأوطانهم لتسلم إدارات التعليم، وتخصيص جزء لائق من ميزانية الدول العربية للتعليم والتربية والبحث العلمي، وتأسيس مراكز بحوث تهتم بقضايا التنمية والتقانة لامتلاك مصادر القوة وتحصين مجتمعاتنا من ثقافات القوى العولمية الاستعمارية، والتركيز على الفكرالنقدي والعلمي، واحترام العقل، وبذلك تكون الأمة العربية قد بدأت المرحلة الأولى لتمكين العلم في بلادنا ووضعنا الأسس الحقيقية لامتلاك القوة والازدهار في مجالات الحياة المختلفة.
العدد 1179 – 27 -2 -2024