فوضى الحداثة دون ذاكرة

الملحق الثقافي- عبد الكريم العفيدلي:
في فوضى مايسمى بالحداثة والتي أعترف أن فهمي لها لايتعدى المثل الشعبي : « مع الخيل يا شقراء « ، لابدّ أن نقف بعد قرنٍ من الزمن على ماتم إنتاجه في ظل هذه الفوضى التي من خلال غمارها حاول الكثيرون الهروب من قواعد القصيدة العربية لعجزهم عن إتقان الصنعة وحاول إيهام الناشىء بأن هذه القواعد أصبحت لاتصلح لزماننا ولابدّ من تحديثها ، هؤلاء بلاشك لم يفهموا الحداثة الشعرية والتي تقوم على تحديث المفردات والمعاني دون المساس بقالب النظم وهذا الفهم الخاطىء أدى لعدم وصول قصائدهم للناس فالشاعرالناجح هو الذي يخاطب الناس بما يفهمونه ، لو قارنا مثلا بين نزار قباني وعبدالوهاب البياتي وكلاهما من المجددين بالشعر العربي لنجد أن نزار استطاع أن يجعل من الشعر كالخبز والماء وأدخله في تفاصيل الحياة اليومية للناس على اختلاف أعمارهم ومستوياتهم الفكرية ، بينما البياتي قلة قليلة من يحفظون له قصيدة كاملة من المحيط الى الخليج .
استخدم نزار قباني أسلوب السهل الممتنع بلغة مفهومة فوصل شعره للعامة ، أما البياتي بقيت نصوصه على عظمتها لايفهمها إلا النخبة ولم تصل إلا لهذه الفئة وكأنها أشبه بالشعرالمترجم الذي تشعر بأنه لا ينتمي لتراثنا الشعري العربي .
جاء بعد هؤلاء المجددون كم هائل من الشعراء المقلدون والعبثيون وهؤلاء العبثيون هم من أفقدوا الشعرالفصيح حضوره ورونقه لأنهم ابتعدوا عن هموم الناس وقضاياهم فلم تعد كتاباتهم تلامس دواخل الناس فانصرفوا عنه ، ومنهم من وجد أنهم لم يضيفوا شيئاً على ماجاء به المجددون بالعصر الحديث في أسلوب الكتابة .
وكثير من الناس وخاصة الجيل الناشىء انصرف للقصيدة الشعبية لأنها كانت الأقرب لأنفسهم وأرواحهم وحملت كلّ قضاياهم وتفاصيل حياتهم اليومية ، وهنا لا نلقي باللوم على القصيدة الشعبية لأنها مهما بلغت من الشأن لاتستطيع غلبة الشعرالفصيح لأنها تبقى إقليمية أما الفصحى تصل لكل من يتكلم العربية وفضاؤها واسع جداً ، إنما الشعر الفصيح في تراجع وهذا لابدّ من الاعتراف به والسبب العبثيون الذين أوهموا الناس بأن هناك أشكالاً للقصيدة التقليدية غير ما توارثوه في ثقافتهم .
من جانب آخر الاختيار المقيد للنصوص الشعرية في المناهج الدراسية بما يتناسب مع موضوع الدرس والغرض منه ، ولعقود درس الجيل لعدد من الأسماء المكررة وكأن الشعر العربي احتكار على هذه الأسماء دون غيرها والإبداع اقتصرعليهم ،فترسخت هذه القصائد المحددة في ذاكرتهم وأصبحت جزءاً من تشكل وعيهم الأدبي ، فوضعوا كل مايقرؤنه خارج المناهج بالمقارنة مع ماقرأوه لهذه الأسماء .
ولا ننسى أيضاً مواقع التواصل الاجتماعي التي صدرت كل غثٍ أدى إلى ضرب الذائقة وبظل غياب الرقابة عن هذه المواقع والنقاد الحقيقيون أصبحت هناك فوضى عارمة فغاب سمين الشعر أو أنه آثر الابتعاد حفاظاً على كرامته .
إذا تعددت الأسباب لعدم حفظ الشعر الفصيح وعدم حضوره القوي من فوضى ما أسموه زوراً بالحداثة عن عدم فهم حقيقي لها ، تقدم القصيدة الشعبية وإن كان هذا التقدم مؤقتاً على حساب القصيدة الفصيحة والمناهج الدراسية وطريقة اختيار النصوص الشعرية بشكل تقليدي بما يتناسب مع الغرض ومواقع التواصل الإجتماعي بظل غياب الرقابة والنقد .
والأهم من ذلك الظروف المعيشية للناس صرفتهم عن القراءة والحفظ حتى أن هناك من بات يروج بأن الشعر والثقافة بشكل عام أصبحت من الرفاهية .
                          

العدد 1180 – 5 -3 -2024      

آخر الأخبار
"ذاكرة اعتقال"..  حلب تُحيي ذاكرة السجون وتستحضر وجع المعتقلين "صندوق التنمية السوري".. خطوة مباركة لنهوض سوريا على كل الصعد من الجباية إلى الشراكة.. إصلاح ضريبي يفتح باب التحول الاقتصادي فضيحة الشهادات الجامعية المزورة.. انعكاسات مدوية على مستقبل التعليم   أزمة إدارية ومالية.. محافظ السويداء يوضح بشفافية ملابسات تأخير صرف الرواتب "صندوق التنمية السوري".. إرادة وطن تُترجم إلى فعل حين تُزوّر الشهادة الجامعية.. أي مستقبل نرجو؟ جامعة خاصة تمنح شهادات مزورة لمتنفذين وتجار مخدرات  وزير الاقتصاد: ما تحقق في"دمشق الدولي" بداية جديدة من العمل الجاد "اتحاد غرف التجارة الأردنية" يبحث تطوير التعاون التجاري في درعا تفعيل دور  الكوادر الصحية بالقنيطرة في التوعية المجتمعية "المرصد السوري لحقوق الإنسان" يقطع رأس الحقيقة ويعلقه على حبال التضليل حملة فبركات ممنهجة تستهدف مؤسسات الدولة السورية.. روايات زائفة ومحاولات لإثارة الفتنة مع اقتراب العام الدراسي الجديد...  شكاوى بدرعا من ارتفاع أسعار المستلزمات المدرسية  برامج تدريبية جديدة في قطاع السياحة والفندقة إلغاء "قيصر".. بين تبدل أولويات واشنطن وإعادة التموضع في الشرق الأوسط دعم مصر لسوريا..  رفض الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي السورية  تطوير التشريعات والقوانين لتنفيذ اتفاقيات معرض دمشق الدولي أزمة المياه تتجاوز حدود سوريا لتشكل تحدياً إقليمياً وأمنياً "كهرباء القنيطرة": الحفاظ على جاهزية الشبكة واستقرار التغذية للمشتركين جهود لإعادة تأهيل مستشفيي المليحة وكفربطنا