الثورة – يمن سليمان عباس:
تمضي بنا الأيام دون أن نشعر أنها تمر بسرعة كبيرة.. أمس كنا أطفالاً صغاراً نحلم بالكثير من الهدايا والألعاب وغيرها، ومن ثم مرحلة الشباب التي شكلت الطموح والأهداف.
يمضي بنا قطار الحياة ونحن نظن أننا سنبقى كما كنا، لكن فجأة تشعر أنك تقترب من مدار الشيخوخة التي كنت تراها بعيدة، ولكنها حقيقة، فإذا بالشباب سراب عَبَرَ، لكنه كان إنجازاً أيضاً.
الكثيرون ممن شغلتهم الحياة بالفكر والعمل وقدموا الإنجازات المهمة توقفوا عند انسراب الزمن والوصول إلى مدار الشيخوخة، وكتبوا عن ذلك، من هؤلاء عالم الاجتماع السويدي: ( بير- يوهانسون) والذي دَرَّسَ مادة علم الاجتماع في جامعة ستوكهولم كتب مقالاً لكبار السن واضعاً تجربته الشخصية بعد تقاعده عن العمل والتدريس في الجامعة بعنوان (الربع الأخير من العمر) يقول:
(بالأمس كنت طفلاً صغيراً أتساءل أين ذهبت تلك سنوات العمر؟!..
أعلم أنني عشتها وأتذكر لمحات عن آمالي وأحلامي فيها.. ولكن فجأة اكتشفت أني أعيش الربع الأخير من حياتي وقد أدهشني ذلك الاكتشاف..
أين ذهبت كل تلك السنين!؟
ومتى وإلى أين غادر شبابي.!؟
كم قابلت وعرفت من كبار السن طوال حياتي!؟.
وكم اعتقدت أن الشيخوخة التي اتصفوا بها بعيدة عني!؟
ذلك حين كنت في الربع الأول من رحلة العمر، وكان الربع الرابع بعيداً عني لدرجة أنني لم أتمكن من تخيّل كيف يمكن أن يكون حين أبلغه.
ولكن.. ها هو الربع الرابع قد اقتحم بابي وتجاوز أعتابي وسلبني شبابي.
أصدقائي متقاعدون وأصبحوا شيباً، يتحركون ببطء، ويسمعون بعسر، ويفهمون بمشقة.. بعضهم حالته أفضل مني وبعضهم أسوأ.. لكني أرى التغيّر الجسيم في أحوالهم.. ليسوا مثل الأشخاص الذين أتذكرهم.
نحن الآن أولئك الأشخاص (كبار السن) الذين اعتدنا على رؤيتهم ولم نتخيل يوما أننا سنكون مثلهم.
اليوم أصبحت أرى أن مجرد الاستحمام هو هدف حقيقي لهذا اليوم، والقيلولة لم تعد اختيارية بعد الآن.. إنها إلزامية!!، لأنني إن لم آخذ قيلولتي بمحض إرادتي فأني سأغفو حيث أجلس!!
وهكذا أدخل الموسم الجديد من حياتي غير مستعد للأوجاع والآلام وفقدان القدرة على القيام بأشياء كنت أتمنى أن أفعلها ولكني لم أفعلها أبداً!!
كم ندمت على أشياء كنتُ أتمنى لو لم أفعلها، وكم ندمت على ما كان يجب أن أفعله ولم أفعله، كما اكتشفت أن هناك العديد من الأشياء التي أسعدني القيام بها خلال ما مضى من العمر.
لذا… إن لم تكن في الربع الأخير من عمرك بعد، دعني أذكرك أنه سيأتيك أسرع مما تتوقع، لذلك كل ما ترغب في تحقيقه في حياتك افعله بسرعة… افعله اليوم.. افعله الآن، عش اليوم بشكل جيد، تمتّع بيومك، افعل شيئاً ممتعاً، كن سعيداً.. تذكر أن “الصحة” هي الثروة الحقيقية وليست قطع الذهب والألماس والقصور.
يجب أن تعلم ويفضّل أن تضع في اعتبارك ما يلي:
• الخروج من البيت جيد ولكن العودة إليه أفضل!
• ستنسى الأسماء لابأس.. لأن بعض الناس نسوا أنهم يعرفونك حتى!
• الأشياء التي اعتدت على القيام بها، لم تعد مهتماً بها بعد الآن.
• ستنام على الأريكة أو الكرسي وأنت تتابع التلفزيون ستنام بشكل أفضل مما لو كنت نائماً في سريرك.
• ستستخدم الكلمات القصيرة مثل: (نعم، لا، ماذا؟، متى؟…
• ستتحسّر على الملابس الكثيرة في الخزانة نصفها لن ترتديها أبداً.
سيكون لكل شي قديم قيمة أكثر من ذي قبل في حياتك مثل: الأغاني القديمة والأفلام، والأكلات أيام زمان، وخاصةً الأصدقاء القدامى!
ويختم العالِم بيير قوله: نحن نعلم جيداً أننا لن نستطيع أن نضيف وقتاً إلى حياتنا، ولكننا يمكن أن نضيف حياة إلى وقتنا) “.
وقبله قال الشاعر العربي:
ألا ليت الشباب يعود يوماً فأخبره بما فعل المشيب.
إنها دورة الحياة ولكل مرحلة فيها جمالها فلنكن قادرين على التمتع بها قدر استطاعتنا.
ومن باب الطرفة يروى أن شاباً نشطاً رأى عجوزاً محني الظهر فسأله: من أين أتيت بهذا القوس..؟
فرد العجوز: من الزمن الذي يعد لك واحداً مثله.