الثورة – منال السماك :
على خطا الإيقاعات المتسارعة للتطور الرقمي، بات الإنترنت و منصات وسائل التواصل الاجتماعي تشغل مساحة واسعة من وقتنا و اهتمامنا، ما فرض تحدّيات جديدة تلامس سلامنا النفسي وتهدّد استقرارنا الاجتماعي، فالأخبار المضللة تنهمر من كل حدب و صوب، و خطاب الكراهية يكاد يشعل فضاءنا بالتوتر و الحقد، بينما تغيب السياسات الرقمية، التي توفّر بيئة آمنة للتواصل و التعبير عن الرأي بحرية لا تنتهك حرية الآخرين.
على هامش جلسة تدريبية حملت عنوان ” المواطنة الرقمية ” و التي أقامها مركز شباب جرمانا – جمعية تنظيم الأسرة السورية ، بالتعاون مع ” دارة سلام” التقت ” الثورة ” الباحثين الكوتش رنا الشيخ علي و الكوتش مصطفى كليب للحديث عن المواطنة الرقمية، و ما علاقة المواطنة الرقمية بمواجهة خطاب الكراهية و المعلومات المضللة، و ما هي الحقوق و الواجبات في فضاء هذا العالم ؟.
إنشاء مجتمع رقميّ صحّيّ
بداية اللقاء تحدثت الكوتش علي الناشطة في مجال حقوق الإنسان و مديرة مبادرة “دارة سلام” و التي تعمل على دمج التكنولوجيا ببناء السلام و سيادة العدالة، فقالت: هذه الجلسة هي جزء من مشروع “بصمتك”، والذي تمّ القيام به نتيحة تحديات يواجهها الشباب اليوم، لها علاقة بالفضاء الرقمي، حيث تعنى بنشر مفهوم المواطنة الرقمية، فهي الوسيلة العصرية لإعداد مواطن قادر على استخدام و توظيف التكنولوجيا الرقمية بطرق سليمة، ووفقاً لقواعد و ضوابط سلوكية ودينية وأخلاقية وقانونية، لإنشاء مجتمع رقمي صحي، من خلال تزويده بمجموعة من المهارات، كمهارات التواصل والبحث و حلّ المشكلات، وتعزيز إيمانه بقيم العدالة و الحرية و الديمقراطية، فنحن اليوم بأمس الحاجة لإدراك حقوقنا وواجباتنا و مسؤوليتنا في هذا الفضاء الواسع، فنتعلم ونبدع كما نعبر عن رأينا دون أن نسهم بتأجيج خطاب الكراهية، أو ننشر معلومات مضللة، فنحمي أنفسنا و صحتنا النفسية بعيداً عن التأثر بما يتمّ نشره، فنكون مواطنين فاعلين و مؤثرين، فتصبح المواطنة الرقمية جزءاً من المنهاج التعليمي، ومن تدخلات الشباب لأن الفضاء الرقمي الآن أصبح جزءاً مهماً في حياتنا.
دور المواطنة في بناء السلام
وعن دور المواطنة الرقمية في بناء السلام، أجابت الكوتش علي أن ذلك يتم بإدراك الحقوق و الواجبات و المسؤوليات، عندها نصبح أكثر وعياً لأي كلمة يمكن أن تؤجج المشكلات، كما أن احترام خصوصية الآخر مهمة جداً أثناء دفاعنا عن أفكارنا و آرائنا، فلا ننشر معلومات مضللة للآخرين دون التحقق من مصدرها، فاليوم هناك خطورة عالية جداً بسبب خطاب الكراهية في العالم الرقمي، فحرية التعبير لها حدود حسب الاتفاقيات الدولية، التي تجرم حالات تتعلق بخطاب الكراهية، لذلك ينبغي نشر الوعي القانوني بخصوص حرية التعبير. و أكدت علي على ضرورة تعزيز الوعي بالمواطنة الرقمية، من خلال التربية الأسرية ثم المدرسية، فالمدارس هي مصنع للمواطنة، و هذا يحتاج إلى تضافر جهود جهات عديدة من المؤسسات الحكومية، و المجتمع المدني و المبادرات الأهلية، و بسنّ قوانين تسهم في بناء المواطنة الرقمية.
واجبات قانونية وأخلاقية
و في لقاء مع الكوتش كليب، حقوقي و عضو في منظمة دارة سلام، تحدّث إلينا عن الحقوق و الواجبات فقال: يرتبط مفهوم المواطنة بالحقوق و الواجبات، فالبيئة الرقمية بعد أن أصبحت جزءاً مهماً من حياتنا، و تستخدم كأداة في الحرب و في بناء السلام، بات ضرورياً وجود قوانين تحمي الفرد ضمن هذه البيئة الرقمية، و هذه الواجبات هي واجبات قانونية و أخلاقية ، ففي ميدان الحقوق بالعالم الرقمي قد لاقت اهتماماً واسعاً في العالم ، و هناك من ينادي بأن يكون هناك إعلاناً عالمياً حول حقوق الإنسان الرقمية، وهذه الحقوق اليوم هي مثار للحديث الواسع جداً و لكن للأسف فإن هذه الحقوق في البيئات التي تعاني من فقدان أبسط الحقوق، هي لا تحظى بالاهتمام. و تابع الكوتش كليب بالقول: نحن الآن نركز على التدريب على مجموعة من الحقوق الأساسية فيما يتعلق بالحق لالوصول إلى الأنترنيت، كحق طبيعي ينبغي أن يتمتع به الإنسان ضمن الحقوق الأساسية حتى يتمتع بحقوقه الأخرى، و حقّه في حرية الرأي و التعبير ضمن البيئة الرقمية، و على حقه بالخصوصية الرقمية، و كذلك الحق بالتمتع بالأمن الرقمي، إلى جانب الحق بحماية الأطفال كونهم فئة هشة و ضعيفة، و قد يتعرضون للعنف أو التنمر أو الابتزاز الالكتروني، و الحق بالحماية من العنف الرقمي، أو أي شكل من أشكال التهديد الذي تتعرض له النساء كالتحرش و الابتزاز و التنمّر الالكتروني.
وإجابة عن سؤال ما الواجبات الواقعة على عاتقنا؟، أجاب الكوتش كليب: فيما يتعلق بالواجبات القانونية، عندما يكون لدينا قانون يفرض التزامات قانونية، فبأي مخالفة يمكن أن أتعرض لجزاء قانوني، أما الواجبات الأخلاقية فهذه ليس بالضرورة أن يكون عليها جزاء قانوني، فيمكن التعرض للوم اجتماعي، أو تغير بنظرة المجتمع لمخالفتها، ومن الواجبات أيضاً المشاركة الفاعلة ضمن البيئة الرقمية، حتى أكون مواطناً مؤثراً في العالم الرقمي، كما ينبغي عدم المشاركة في الخطاب الطائفي بل محاربة هذا الخطاب لننعم بالسلام.