الثورة- فاديا هاشم:
مع حدوث كل تغيّر في الطقس، من صيفٍ خانق إلى خريفٍ رماديّ أو شتاءٍ طويل، تتبدّل أحوال الناس كما تتبدّل ألوان السماء. قد يبدو الأمر عاديًّا في ظاهره، لكن خلف هذه التقلبات تختبئ ظاهرة اجتماعية ونفسية عميقة: الملل الموسمي، أو كما يسميه بعض الباحثين “الفراغ المزاجي”.
الملل هنا ليس مجرّد غياب للمتعة، بل هو صمتٌ يفضح هشاشة علاقتنا بذواتنا، حسب تأكيد الدكتورة والباحثة الاجتماعية أماني الحلو، إذ عادة ما يعاني بعض الأشخاص بفترات مختلفة من حالة يسميها العلم الاضطراب العاطفي الموسمي، حيث تبدأ رحلة تغير المزاج والملل والتعب وانخفاض الطاقة والنوم، وهذا الاضطراب يبدأ من الخريف والذروة تكون في الشتاء، ثم ينحسر في نهاية فصل الربيع، هو نوع من أنواع الاكتئاب، وفقدان الشغف بالحياة. حيث يتجه الشخص إلى العزلة الاجتماعية وتغيرات متباينة، كتغيرات الساعة البيولوجية في جسم الإنسان. وحدوث اضطراب في الأكل والنوم، لأن النظام الصحي هو المسؤول عن توازن الهرمونات في جسم الانسان، وكذلك انخفاض مستوى هرمون السيروتونين(هرمون السعادة).
وقالت الدكتورة الحلو، إذا زادت حدّة الأعراض،تتحول إلى حالة مرضية، وبالتالي يحتاج المرء الى استشارة طبيب لأنه بهذه الحالة قد تؤدي بالشخص إلى إيذاء نفسه، من جانب آخر.
كما لفتت إلى أنه أيضاً وبالمقابل يحدث تغيرات إيجابية في حياة الفرد، منها اكتساب مهارات جديدة، كتطوير عادات صحيّة كالتمرين المنتظم الذي لا يجيده إلا من لم يتصالح بعد مع وحدته.. غالباً ما ينظر إلى الملل على أنه عيب أو علامة على الكسل، بينما الواقع هو حالة إنسانية طبيعية، يمكن أن تكون بداية لإبداع جديد. فمثلاً، الفنان يجد في الصمت فكرة، والكاتب يجد في الفراغ مساحة للتأمل، والباحث في لحظة سكون ربما يقوده سؤال إلى اكتشاف جديد. في حين نجد ببعض المجتمعات الأمر مختلف إذ لا تسمح لأفرادها بفسحة للفراغ. ما يخلق قلقاً دائماً يجعلهم يهربون من أنفسهم، لا نحوها، وبالنهاية الملل ليس نهاية بل إشارة، والطقس ليس مجرد خلفية للمشهد اليومي، بل مكون من مكونات الوعي الجمعي.