الثورة – دمشق – محمود ديبو:
لم تصمد وعود التجار والموردين أكثر من خمسة أيام، ليبددها الصعود المستمر في أسعار السلع والمواد وخاصة الغذائية الأساسية منها كالسكر والسمنة والزيت والتمور، وأيضاً الخضار والفواكه الموسمية وصولاً إلى البقدونس والنعنع والبصل الأخضر..
فقبل بداية شهر رمضان المبارك الحالي تلقى المستهلك السوري وعوداً جازمة بأن التجار لن يرفعوا أسعار بضائعهم خلال الشهر الفضيل وأكثر من ذلك هم لن يبيعوا بسعر المستهلك متنازلين في هذا عن أرباحهم..
إلا أن هذا الوعد الذي بدا قاطعاً سرعان ما تلاشى وسقطت معه آمال المستهلكين بقضاء شهر رمضان بعيداً عن الارتفاعات المتكررة للأسعار، وما يليها من ارتفاعات في ضغط الدم والسكر وحدوث الجلطات التي تتصدر أخبارها اليوم القائمة بوصفها أسباباً مباشرة لعدد من الوفيات أو على الأقل (الفالج)..
ولأننا نعرف حقيقة القول بأنه تعددت الأسباب وارتفاع الأسعار واحد، فلعلنا هنا قد نتلقى الإجابة المعهودة، والتي تقول بأن الارتفاع جاء نتيجة الطلب المتزايد على السلع، لكن يحق لنا أن نسأل: كيف حصلت زيادة في الطلب على السلع في الأسواق المحلية، ونحن نعلم أن القدرة الشرائية لدخل شريحة واسعة من المستهلكين غير قادرة على إحداث فرق واضح في معادلة العرض والطلب، ونعلم أيضاً أنه وقبل حلول الشهر الفضيل كثرت مناشدات التجار بضرورة إيجاد حل وعلاج لحالة الركود الذي ضرب الأسواق وتسبب بتراجع كبير في المبيعات قياساً بالسنوات السابقة..
إذاً ماالذي حدث؟!..خاصة وأن سعر صرف الليرة لم يتعرض لهبوطات جديدة، وأسعار المشتقات النفطية لم تتحرك صعوداً على الأقل خلال هذه الفترة، هل فعلاً استطاعت التحويلات المالية من الخارج أن تؤثر بهذه القوة في السوق وترجح كفة الطلب على كفة العرض لتعطي المبرر والذريعة لرفع أسعار المواد الغذائية، وكم هي إذاً نسبة الأسر والعائلات السورية التي تتلقى حوالات من أبنائها وأقاربها في المغتربات..؟؟
وإذا كان مشهد التزاحم في بعض المولات الكبيرة والأسواق التجارية الفخمة يعطي انطباعاً لدى البعض أن هناك حركة تجارية قوية، وأن الأسواق تشهد
نشاطاً جيداً في البيع والشراء، فمن الواجب لنا هنا أن نصحح أو نكمل الصورة بالقول إن هذا جزء من الحقيقة وليس الحقيقة الكاملة ويمكن استكمال المشهد بالإشارة إلى حالة الركود الشديد في أسواق الأحياء الفقيرة، وكذلك في باقي القرى والبلدات، ولعل هذا هو الجزء الأكبر من الصورة الذي معه يمكن أن يخرج المتابع بقراءة أدق عن حالة الأسواق والحركة فيها ويؤكد التهاوي المستمر للقدرة الشرائية لدى شرائح واسعة من المستهلكين..
وبالعودة إلى وعد التجار قبل حلول الشهر الفضيل بعدم رفع الأسعار والبيع بدون أرباح، قد نسأل: إذا كان التجار والموردون غير قادرين على إحداث فرق في الأسعار لمصلحة المستهلك، فمن إذاً يتحكم بالأسواق ومن أين تأتي كل تلك الارتفاعات المستمرة بالأسعار، هل الاحتكار هو المسؤول المباشر مثلاً، أم غياب المنافسة الشريفة، أم أن أطماع بعض باعة المفرق هي التي تستهدف جيوب المستهلكين ومداخيلهم؟..
في ضوء كل ذلك لايزال البحث جارياً عن الحقيقة التي يقول البعض أنها واضحة وضوح الشمس، فيما يجد آخرون صعوبة في تكهن ما قد يكون من أسباب وراء ما يواجهه المستهلكون من عناء إزاء الغلاء المستعر والذي لم يستطع أحد أن يضع له حداً.
