الثورة – تحقيق – نيفين عيسى:
خلال شهر رمضان المبارك تعمد بعض المطاعم لرفع أسعار الوجبات والخدمات المقدمة للزبائن لأسباب ومبررات مختلفة، فيما تبدو تلك الأسعار غير مقبولة لدى شريحة واسعة من المواطنين الذين يجدون أبواب تلك المحال غير متاحة لهم ويطالبون بمزيد من الرقابة على الأسعار.
“الثورة” جالت على بعض المنشآت السياحية واستطلعت آراء عدد من المواطنين والمعنيين والعاملين في المطاعم، فكيف بدت الآراء؟
ارتفاع غير مبرر..
أحمد الخالد- صاحب محل ألبسة- أوضح أن ارتفاع الأسعار لا يشمل جميع المحال، إذ ليس كبيراً في بعض المطاعم، ولطالما هو بمتناول الذين اعتادوا التردد على هذه المحال ولديهم القدرة المادية للتمتع بأجوائها، ورغم ذلك فإن الارتفاع غير مبرر باعتباره نوعاً من الاستغلال لمناسبة أو موسم معيّن لكسب المزيد من الأرباح.
وذكر المدرّس سعد حميد أنه غير معني بارتياد المطاعم بمختلف تصنيفاتها لأنه موظف وإمكانياته المادية لا تسمح له بدخولها فهي تتطلب وضعا مادياً غير متاح لدى الكثيرين.
ارتفاع بنسبة 30%..
الصيدلانية إنعام علي نوهت بأن الأسعار في شهر رمضان ترتفع سواء في المطاعم أو محال السوبر ماركت والخضار وغيرها، ولمست هذا الارتفاع عندما تناولت طعام الإفطار في ثاني أيام رمضان بأحد المطاعم، وكانت الفاتورة أعلى من المعتاد بحوالى 30%.
خليل حسن- موظف- أشار إلى أن الكثير من المطاعم تُحدد أسعاراً مرتفعة خلال شهر رمضان تختلف عما كانت عليه قبل هذا الشهر، كما أنها أسعار تتجاوز القدرات المادية لمعظم المواطنين، مما يتطلب رقابة ومحاسبة للمخالفين.
وجبة تصل إلى250ألفاً..
مدير أحد مطاعم دمشق القديمة قال إن سعر وجبة الإفطار ضمن خيمة رمضانية ٢٥٠ ألف ليرة للشخص الواحد متضمنة (وجبة دجاج- لحمة- مقبلات- شوربات- سلطات-مشروبات رمضانية)، فيما هنالك عروض على السحور بقيمة ٥٠ ألف ليرة.
أما في مطعم آخر فقد ذكر أحد عماله بدمشق القديمة أن العروض خلال شهر رمضان تصل إلى ١٥٠ ألف ليرة للشخص الواحد، متضمنة مقبلات ووجبة رئيسية، منوهاً بأن الإقبال جيد بحكم أن العروض مقبولة نوعاً ما.
أحد العاملين في مطعم بدمشق أشار إلى أن تكلفة الوجبة للشخص الواحد ٢٠٠ ألف ليرة لدى المطعم، ولا تتضمن الوجبات عروضاً رمضانية.
ترتبط بالتكاليف..
وبناء على ما تقدم أوضح مدير القياس والجودة السياحية في وزارة السياحة المهندس زياد البلخي لـ “الثورة” أن الأسعار ترتبط بالتكاليف، فالخدمات في المنشآت السياحية تتضمن تكاليف مباشرة وأخرى غير مباشرة، والتكاليف المباشرة تندرج تحتها قيمة المواد الأولية المستخدمة في تحضير الطبق فيما تتضمن التكاليف غير المباشرة أجور العمال وحوامل الطاقة والخدمة وغيرها، وهنالك ارتفاع في كلا النوعين من التكاليف، ولاسيما حوامل الطاقة، وهو ما انعكس على الكلفة النهائية والخدمة التي تقدمها منشآت الإطعام السياحية.
وأشار البلخي إلى وجود آلية لتسعير الخدمات المقدمة في المنشآت السياحية وهذه الآلية وضعتها لجنة تسعير مركزية من وزارات السياحة والتجارة الداخلية وحماية المستهلك، والإدارة المحلية والبيئة والمالية.
وتابع البلخي : وبالتالي فإن أي منشأة تقدم وجبة إفطار فهي وجبة مركبة وتحرص إدارة المنشأة على تطبيق معايير وتحقيق معادلة أن الوجبة تكون كافية وغنية، وفي نفس الوقت أن تكون الكلف متوازنة وهذه الموازنة هي الأصعب للتحقيق.
البلخي أوضح أن كل منشأة سياحية عندما تسعر الوجبة تطلب تسعيرة من مديرية السياحة والتي تقوم بدورها بحساب التكاليف المباشرة، وتتأكد من تحقيقها للمعادلة التي أقرتها لجنة التسعير المركزية، وغالباً تكون الأسعار في المنشآت السياحية ضمن المعادلة المطلوبة، أو تكون المنشأة معرضة للمخالفة.
التسالي مخالفة..
وأكد أن ما يسمى تسالي رمضان هي آلية عمل مخالفة وتندرج تحت مخالفة إلزام الضيف بطلب غير مطلوب من قبله، وعند ورود أي شكوى تتم معالجة الموضوع وتستقبل وزارة السياحة الشكاوى على الرقم الأرضي 137، وفيما يتعلق بالضبوط المنفذة لهذا العام والمتعلقة بزيادة الأسعار وعدم الإعلان عن الأسعار وغيرها ، أفاد البلخي بوجود ٨٦ ضبطاً بدمشق و١٠ بريف دمشق، وأما الضبوط الخاصة بزيادة الأسعار فعددها ٢٢ ضبطاً بدمشق وضبطان بريف دمشق.
وأضاف أن هنالك آليات مختلفة لعمل الرقابة مثلاً في بداية الموسم جولات رقابة وقائية الهدف منها تعريف إدارة المنشأة السياحية بآليات التسعير، وإعطاء الملاحظات لتطوير العمل في المنشآت، وبعد ذلك توجد جولات رقابية تؤكد على شروط حفظ وتحضير وتقديم الطعام بهدف ضمان الجودة.
حفاظاً على اليد العاملة..
رئيس اتحاد غرف السياحة المهندس طلال خضير أشار إلى أن الأسعار لا تتناسب مع الواقع لأنها مرتفعة وغير منطقية نظراً لما هو حاصل في أسعار المواد الغذائية والزيوت والكهرباء والمحروقات، إضافة إلى ارتفاع سعر اليد العاملة من ذوي الكفاءة، منوها بأنه يوجد نقص باليد العاملة لذلك يُضطر أصحاب المنشآت السياحية لرفع أسعار الشيف وعمال الضيافة ليحافظوا على وجودهم وهذا من أسباب ارتفاع الأسعار، إضافة إلى تكاليف التشغيل في المنشآت (كهرباء– عمالة- محروقات- غاز) وكذلك عدم توفر الغاز الصناعي بكل المنشآت السياحية وبكافة المحافظات، حيث تُعاني المنشآت من نقص بالغاز، وبالتالي صاحب المنشأة يُضطر لرفع سعر الوجبات ليحصل على هامش ربح بسيط.
دراسة للأسعار..
وحول ما إذا كانت جمعية المطاعم بدمشق أصدرت تسعيرة جديدة وسبب ارتفاع الأسعار بالمطاعم، بيّن رئيس الجمعية حسن بواب أنه تمّ تقديم دراسة حول الأسعار للجهات المعنية وتمّت مناقشتها وهي حالياً قيد الصدور بعد أن تأخذ الموافقات اللازمة.
وأضاف بواب أنه لدينا لجنة في الجمعية تسبر الأسواق وتتواصل مع أصحاب الفعاليات لتتوصل للكلف الحقيقية لأسعار المواد الأولية والكلف والمصاريف المترتبة على صاحب المنشأة كأجور اليد العاملة وحوامل الطاقة والضرائب والرسوم والصيانة.
بواب أوضح أن الارتفاع الحاصل ليس له علاقة بشهر رمضان لكن أسعار المواد الأولية وسعر مادة المازوت والغاز مرتفعة وتشكل عبئاً كبيراً على المنشأة ما يتوجب على صاحب المطعم رفع أسعاره لتعويض هذه المصاريف، وأشار بواب إلى أن الأسعار الحالية لا تتناسب أبدا مع دخل الفرد لذلك فإن القوة الشرائية ضعيفة والإقبال على المطاعم ليس جيداً.
معاناة أصحاب الدخل المحدود..
أمين سر جمعية حماية المستهلك والخبير الاقتصادي عبد الرزاق حبزة نوه بأنّ الأسعار بدأت ترتفع من نهاية العام ٢٠٢٣ وبداية ٢٠٢٤ بزيادة عن العام السابق بحوالي ٢٠٠%، فيما بقي الدخل ثابتاً بالنسبة للموظفين والمتقاعدين ورغم الزيادة الأخيرة في الرواتب لكن ذلك لا يغطي فروق الأسعار، إضافة إلى ارتفاع أسعار حوامل الطاقة (مازوت وفيول بنزين).
وكل ذلك انعكس على المستهلك، حتى بموضوع المنشآت السياحية والمطاعم الشعبية حيث توجد نفقات إضافية على المواد الأولية وكذلك ارتفاع أسعار حوامل الطاقة وهي سبب رئيسي انعكس بشكل كبير على الأسعار وارتفاع تكاليف المواد الأولية (لحوم خضار وفواكه) ومواد داخلة في إنتاج المواد الأولية كالأعلاف اللازمة للدواجن والأسمدة واليد العاملة إضافة إلى ارتفاع الضرائب.
حبزة ذكر أن تلك المتغيّرات أدت إلى إعادة دراسة الأسعار بالمنشآت السياحية ورفع أسعارها، كما أن الأسعار في المطاعم الشعبية ارتفعت والإقبال على المطاعم أصبح للفئة الميسورة وذوي الدخل الممتاز، حتى المتنزهات أصبحت أسعارها مرتفعة وهي تقيم نفسها بنجمتين أو ثلاث وتعتبر نفسها سياحية للهروب من التسعيرة الشعبية وأغلب خدماتها شعبية وأقل من الشعبية، وأنه عندما يتم ضبط الأسعار فلا بد من تخفيض الضرائب.
أخيراً.. تبدو مسألة الأسعار في المطاعم متباينة وبحاجة إلى مراجعة ورقابة أكثر مما هي عليه، إذ لا يبدو منطقياً أن تكون معظم المطاعم حكراً على الميسورين، ولاسيّما أن بعض المطاعم الشعبية بدأت تفقد علاقتها بالمواطن صاحب الدخل المحدود.