الثورة – ترجمة ميساء وسوف:
إن أي علامة على معارضة ولو ضئيلة تكفي لدفع” إسرائيل” إلى موجة من إراقة الدماء، وإن الهجمات على المستشفيات، وقتل عمال الإغاثة، وانتهاك سيادة السفارات، كلها أمور تتساوى مع المسار الصهيوني. يتحدث المسؤولون في واشنطن بصوت عالٍ بالإدانة، لكنهم دائماً ما يقفون إلى جانب شريكهم في الجريمة.
إن جريمة الحرب التي ترتكبها “إسرائيل”، في غزة هدفها أولاً تطهير غزة عرقياً، وعليهم أن يقتلوا الآلاف من الناس بطرق وحشية على نحو متزايد، وأن يرهبوا الناجين، وأن يحولوا المستشفيات والجامعات والمساجد والكنائس إلى أهداف عسكرية. والهدف النهائي هو إجبار السكان على الخروج من غزة وجعلها آمنة للمستوطنين الإسرائيليين، والتنقيب عن الغاز، وبناء قناة لتحل محل قناة السويس. وحتى بناء رصيف لجلب المساعدات الإنسانية هو بمثابة حصان طروادة يهدف إلى إرسال سكان غزة إلى أماكن بعيدة وتوسيع أراضي المستعمرة الاستيطانية.
ولأن فكرتها عن النجاح تعتبر لعنة بالنسبة لأغلبية البشر، فإن “إسرائيل” تخشى دائماً أن تتراجع درجة الولاء التي تظهرها الولايات المتحدة، حاميها الرئيسي وشريكها في الجريمة. لا يهم كم عدد المرشحين للمناصب يتذللون أمام لجنة العمل السياسي الأمريكي الإسرائيلي (إيباك)، ولا يهم أن يتحايل جو بايدن على الكونغرس ليمنحهم الأسلحة أو يصر على مساعدتهم وتحريضهم.
أكاذيب حول أطفال مقطوعي الرأس أو حكايات أخرى عن الدعاية الفظيعة، لا يهم أن تتواطأ الدولة مع وسائل الإعلام الرسمية للدفاع عن “إسرائيل” وتهميش كل من لا يوافق على المخطط. كما أنهم لا يشعرون بالارتياح عندما يقوم أصحاب المليارات من الأثرياء بإقالة رؤساء الجامعات من مناصبهم، حيث يتم لصق الرؤوس بشكل رمزي على الحراب كتحذير لأي شخص قد يبتعد عن الروايات الرسمية. ستظل “إسرائيل” تشعر بالقلق دائماً، لأن مضرب الحماية الأمريكي فقط هو الذي يسمح لها بالوجود بشكلها الحالي.
إذن ما الذي يجب فعله عندما تمتنع الولايات المتحدة عن التصويت في الأمم المتحدة الذي يطالب بوقف إطلاق نار قصير للغاية لمدة أسبوعين؟، ومن ثم تقوم “إسرائيل” بتسريع وتيرة إجرامها، فقد حاصرت مستشفى الشفاء وقتلت الأطباء والممرضين والمرضى. وتم اكتشاف حوالي 300 جثة هناك، بعضها مقيد أو ملقاة أو سحقتها الدبابات الإسرائيلية. ومع انسحاب القوات من المستشفى، ضربت الصواريخ الإسرائيلية القنصلية الإيرانية في دمشق وقتلت سبعة أشخاص، اثنان منهم جنرالات في الحرس الثوري الإيراني. من المفترض أن تحمي اتفاقية فيينا السفارات والقنصليات، لكن لماذا يجب على “إسرائيل” أو الولايات المتحدة التي تدعمها أن تتبع القانون الدولي عندما تنتهكه في كثير من الأحيان مع الإفلات من العقاب؟ ولم تكن هذه الأفعال كافية للكيان الصهيوني، لقد احتاجت إلى رمز آخر، وإلى عملية قتل أخرى لضمان أن راعيها المفترض لا يزال يعرف من هو المسؤول. قامت جمعية المطبخ المركزي العالمي، التابعة للطاهي الإسباني خوسيه أندريس، برسم النهاية القصيرة لهذه العصا في هذه المرحلة من فورة الجريمة الإسرائيلية. قُتل سبعة من عمال الإغاثة الذين كانوا يسافرون في قافلة مكونة من ثلاث مركبات في غزة في غارات بطائرات بدون طيار. وأصيبت إحدى المركبات، والثانية بعد محاولتها إنقاذ ركاب السيارة الأولى، والثالثة بعد محاولتها إنقاذ ركاب السيارة الثانية. ويُحسب للفلسطينيين أنهم يؤمنون بإظهار أولئك الذين قُتلوا، وقد تم عرض الجثث ليراها العالم أجمع، خشية أن تتمكن “إسرائيل” من التقليل من حجم المذبحة.
كان خوسيه أندريس اختياراً مثيراً للاهتمام كهدف، لقد دافع بقوة وعلناً عن “إسرائيل”، وأدان وزيراً في الحكومة الإسبانية الذي أشار إلى أن “إسرائيل” ترتكب جرائم حرب.
تلقى أندريس هدية بقيمة 100 مليون دولار من جيف بيزوس، مؤسس أمازون، وهو صديق لباراك وميشيل أوباما، وانضم إلى دوج إيمهوف، زوج كامالا هاريس، في الإعلان عن برنامج غذائي جديد في الولايات المتحدة. ولعل هذا الترخيص الرسمي جعل منظمته هدفاً سهلاً، وأصبح أندريس الآن منتقداً ويطالب” إسرائيل” بوقف “القتل العشوائي”. بالطبع، تم استهداف عمليات قتل موظفيه بدقة كبيرة، ولم يكن هناك أي شيء عشوائي في الاغتيالات.
واتصل بايدن بأندريس لتقديم تعازيه لكن وزارة الخارجية أصرت على أن” إسرائيل” لم ترتكب أي جرائم حرب.
قبل شهرين، وصفت محكمة العدل الدولية اتهام جنوب إفريقيا ضد “إسرائيل” بالإبادة الجماعية بأنه “معقول”، وأمرتها بالتوقف عن قتل الفلسطينيين، لكنها لم تفعل شيئاً من هذا القبيل، وأوضحت أنها سوف تغزو مدينة رفح، آخر ملجأ للاجئين، كما أوضحت الولايات المتحدة أنها أعطت الضوء الأخضر لهذه الخطة لارتكاب الفظائع المطلقة.
الطبقة الحاكمة منقسمة واحتمالات إعادة انتخاب جو بايدن في خطر لكن الالتزام تجاه الكيان الصهيوني مستمر، ويجب أن يظل الناس ملتزمين بالرد بأي طريقة ممكنة. وكل إجراء مهم، من المظاهرات الاحتجاجية إلى هزيمة بايدن إلى مضايقة مجرمي الحرب عندما يجرؤون على الظهور علناً. ومن المهم أيضاً أن نسمي المجرم مجرماً وأن نعلن أن الولايات المتحدة دولة مارقة، وأن” إسرائيل”، عميلها الرئيسي. لا يمكنهم إخفاء ذلك، ويعتقد أشخاص مثل خوسيه أندريس أن علاقاتهم تجعلهم آمنين، واكتشف أن ذلك غير صحيح. لا أحد في مأمن من الإمبرياليين، ومن الأفضل المضي قدماً بشجاعة وفضح المجرمين، ليس هناك خيار آخر.
المصدر – أوراسيا ريفيو