الثورة – السويداء – رفيق الكفيري:
يوم السابع عشر من نيسان هو الدنيا وزهوتها، فعندما نقلب صفحات التاريخ، ونستنهض ذاكرته تروي لنا قصصاً وحكايات وبطولات سطرها الأباء والأجداد في سفره، بطولات تتلعثم المفردات وتعجز الكلمات وتخجل كل اللغات عندما يراد بها الوصف.
وفي هذه الذكرى الغالية عل قلب كل سوري حر شريف استقي هذه السطور للتحدث عن بطولات وعنفوان وشموخ مجاهدين كانوا الإعجاز في الإنجاز، فسطروا ملاحم وطنية شكلت مصدر فخر واعتزاز ستذكرها الاجيال جيلاً بعد جيل، ولن يطويها النسيان مادامت الشمس تشرق كل يوم.
قاهر الدبابة الفرنسية
كان في العشرين من عمره إبان الثورة، اشترك مع رفاقه المقاتلين من قريته قنوات في معركة تل الخاروف عصر اليوم الأول، وفي فجر اليوم الثاني تقدم صفوف المقاتلين في معركة المزرعة- إنه المجاهد صالح القضماني، وخلال المعركة خرجت مصفحة للعدو من مكانها واندفعت إلى الأمام، وأخذت تطلق نيرانها على الجهة التي كان القضماني يقاتل فيها، فأصابته بأربع إصابات، بيده وكتفه وقدمه، ولم يأبه للدماء النازفة، بل صمد وانتزع كوفيته وضمد بها جراحه ووثب إلى سنام المصفحة وبندقيته بيده ومن فجوتها صوب بندقيته إلى رأس قائدها فقتله ولاذ بقية الجنود في جوانبها، وانقلبت المصفحة واشتعلت فيها النيران، واستمر يقارع العدو رغم جراحه النازفة، وحمل ابن قريته إبراهيم الجرماني الذي أصيب بالمعركة بجرح بليغ على ظهره ونقله إلى مكان خارج ساحة المعركة، وعمر القضماني بلغ الثامنة والثمانين وبقي شامخاً كالصفصافة إلى أن رحل إلى ديار الخلد عام 1991.
فارس معركة المزرعة
كان في الخامسة والثلاثين من عمره عند إعلان الثورة السورية عام 1925 وفي مقدمة الأبطال الذين خاضوا غمار معركة المزرعة، يصول ويجول على ظهر جواده بين الجنود الفرنسيين.. إنه المجاهد سليمان العقباني وكتب المجاهد الدكتور عبد الرحمن الشهبندر في مذكراته عن الثورة في الصفحة (166)، ومن برز في هذه الملحمة وفاق الأقران المرحوم سليمان العقباني من بلدة السجن فكان ينفرد عن المقاتلين ويهز صارمه وينادي (اشهدوا اشهدوا- اقرؤوا اقرؤوا) ثم يكر على المستعمرين، وقد قتل منهم ١٨ جندياً ثم أصيب فارس بمعركة المزرعة في الساعة الأخيرة من يوم القتال عندما كان يتعقب الجنود الفارين على مسافة بعيدة من ساحة المعركة وبرصاصة غادرة أردته شهيداً.
المجاهد حمد البربور ولد في 5 شباط عام 1888 وكان يمين سلطان باشا الأطرش في الثورات الثلاث، أي الثورة العربية الكبرى، وتمرد 1922 والثورة السورية الكبرى 1925-1927، في اليومين الأخيرين من تموز (30-31) جرت عدة اشتباكات في الليل والنهار عرقلت تحرك حملة فرنسية بقيادة الجنرال ميشو لفك الحصار عن قلعة السويداء، وألحقت بها بعض الخسائر ولكن الثوار تكبدوا أيضاً خسائر غير قليلة، حيث إن الحملة قد ضمت حوالى ثمانية آلاف مقاتل، كان خط قرية الدور- نبع قراصة هو خط الدفاع الأول، لذلك خاض الثوار معركة ضارية مع مقدمة قوات ميشو الكبيرة بالعدة والعدد، إلى أن أصيب في صدره فاستشهد حمد البربور في 12 آب 1925.
ونحن في رحاب ذكرى الجلاء وفي ظل الحرب الكونية التي تشنّ على سورية لابدّ من تأكيد أن وحدتنا الوطنية وقوة إيماننا وتراصّ صفوفنا هي سبيلنا لردّ كيد الأعداء وطرد الغاصبين وتحرير الأرض، وأن الحفاظ على الاستقلال أمانة في أعناقنا، وعلى خطا أبطال الجلاء سائرون فهم الذين صنعوا لنا تاريخاً مجيداً وإرثاً عظيماً من الوطنية والتضحية يجب أن نحافظ عليه.