الثورة – نور جوخدار:
قال الرئيس أحمد الشرع في لقائه الأخير مع قناة الإخبارية السورية إن سقوط نظام بشار الأسد أدى إلى “إخراج الأذرع الإيرانية من المنطقة”، وهو ما انعكس على فتور العلاقات مع طهران، واصفاً العلاقة مع إيران بأنها “جرح عميق”، لكنه استبعد القطيعة الدائمة، وأشار إلى أن الكرة تبقى في ملعب ما وصفه “الدول التي تسعى لإثارة الفتن والقلاقل في سوريا”.
تصريحات الرئيس الشرع تحمل دلالات على مرحلة جديدة من السياسة الخارجية السورية، وأن دمشق الجديدة تسعى لإعادة صياغة علاقتها مع طهران بعيداً عن التحالف الذي ساد في عهد نظام الأسد الأب والابن.
وتعود جذور العلاقة السورية- الإيرانية إلى بدايات الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، إذ كانت دمشق الدولة العربية الوحيدة التي وقفت إلى جانب طهران في حربها ضد العراق، ثم تحولت الشراكة إلى تحالف استراتيجي بعد عام 2011، حيث شكّلت إيران العمود الفقري العسكري والاقتصادي لبقاء نظام الأسد، ولم يكن هذا الدعم المطلق دليلاً على تحالف النظامين فحسب، بل مؤشّرٌ على مصالح إيران الاستراتيجية في المنطقة على حدّ سواء.
واليوم تسعى سوريا الجديدة إلى إعادة تعريف هذه العلاقة، بما يوازن حاجتها للدعم مع رغبتها في تقليص النفوذ الأجنبي على أراضيها.
في المقابل، حرص الشرع على إبراز متانة الروابط مع موسكو، مشيراً إلى أن هذه العلاقة تعود إلى عام 1946 أي منذ استقلال سوريا، وأن دمشق لديها ارتباطات متعددة مع موسكو سابقاً وينبغي “أن تُدار بطريقة هادئة ورزينة”، وكشف أن مفاوضات جرت مع الروس خلال معارك حماة وحمص، تضمنت انسحاباً روسياً متفقاً عليه مسبقاً، مؤكداً التزام الطرفين بما تعهدا به.
هذا الإعلان يشير إلى أن موسكو ما زالت لاعباً أساسياً في الملف السوري، لكن مع إعادة تعريف دورها من شريك عسكري مباشر إلى داعم سياسي واقتصادي، خاصة مع الحديث عن بدء “صفحة جديدة” في العلاقات ودعوة الرئيس الشرع المرتقبة إلى موسكو لحضور القمة العربية- الروسية.
بحسب الأوساط السياسية، يشهد التقارب السوري- الروسي تقدماً ملحوظاً، على خلاف توقعات سابقة بعد سقوط النظام، ببرود العلاقة في ضوء التحفظ الأميركي والأوروبي.
ويرى مدير وحدة الدراسات الروسية في مركز “الدراسات العربية الأوراسية” ديميتري بريجع، أن العلاقات السورية – الروسية بعد سقوط النظام السابق تدخل طوراً بالغ الحساسية، فهي “إعادة صياغة لعلاقة تحتاج إلى اختبار متبادل”.
كما أن روسيا تملك أوراقاً عملية لا يملكها غيرها، مثل إعادة تشغيل قطاع الطاقة، وتوفير القمح والدواء، وترميم البنية التحتية، ما يضعها في موقع شريك لا غنى عنه إذا أرادت سوريا الجديدة تلبية حاجات الناس بسرعة.
السفارة السورية بموسكو أكدت في 10 أيلول الحالي، أن الرئيس الشرع، سيترأس وفد سوريا في القمة الروسية- العربية التي ستعقد في 15 تشرين الأول المقبل، في أول زيارة رسمية له إلى دولة كبرى كانت حليفاً للنظام السابق.
ومن المتوقع أن يلتقي الشرع بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين على هامش القمة، حيث ستُطرح قضايا حساسة مثل قواعد الاشتباك الجوي، والحد من الاعتداءات الإسرائيلية، وإعادة هيكلة الجيش والأمن، وآليات تمويل مشاريع الطاقة والغذاء بطرق تتجاوز العقوبات، بحسب بريجع.
ويعتقد محللون أن الطرفين يمتلكان الإرادة لإعادة صياغة العلاقة على أسس وأطر جديدة، علاقة لا تقصي دمشق عن العواصم الغربية، وفي الوقت ذاته تحفظ قدراً من الاستقلالية لسوريا بعيداً عن الضغوط الغربية.