المنصة الإلكترونية.. تعزيز الرقابة المجتمعية في مكافحة الفساد

الثورة – مريم إبراهيم:

خطوة مهمة ونوعية تمثلت في إطلاق الحكومة السورية منصة إلكترونية جديدة مخصصة لاستقبال الشكاوى والبلاغات حول الفساد والرشاوى داخل المؤسسات الحكومية، إذ يمكن للمواطن بكل سهولة إدخال بيانات الموظف المخالف وإرفاق الأدلة المتوفرة، لتصل مباشرة إلى الجهات المعنية التي ستتعامل مع البلاغ بكل جدية وشفافية.

تعزيز الشفافية

وتأتي هذه الخطوة في إطار السعي إلى تعزيز الشفافية ومكافحة الفساد، وتهدف المنصة إلى استقبال الشكاوى المتعلقة بالرشاوى والفساد والتجاوزات والمخالفات داخل المؤسسات الحكومية، بما يعزز مبدأ الرقابة المجتمعية ويمنح المواطنين دوراً فعالاً في حماية المال العام وترسيخ النزاهة.

ويؤكد خبراء ومختصون في الإدارة أهمية وجود هكذا منصة ستتيح للمواطن كشف حالات الرشاوي، وتمكن الجهات المعنية من المتابعة وضبط هذه التجاوزات وفق إجراءات مناسبة في إطار ضبط المخالفات وأشكال الفساد والرشاوى والتجاوزات في مختلف الجهات العاملة.

إطار قانوني ومؤسساتي

الباحث في الإدارة والحقوقي الدكتور علي إسماعيل أوضح لصحيفة الثورة الإطار القانوني والمؤسساتي، إذ ينظم مكافحة الفساد في سوريا جهازان رئيسيان، هما الجهاز المركزي للرقابة المالية المحدث بالمرسوم التشريعي رقم 64 لعام 2003، وهو هيئة مستقلة تتبع رئاسة مجلس الوزراء، مهمتها تدقيق حسابات الدولة والجهات العامة والتأكد من سلامة الإنفاق العام، والهيئة المركزية للرقابة والتفتيش المحدثة بالمرسوم التشريعي رقم 24 لعام 1981، وتتبع أيضاً لرئاسة مجلس الوزراء، وتتمثل مهامها بالتحقيق في قضايا الفساد الإداري والمالي، وتقييم كفاءة الأجهزة الحكومية، وهذا التداخل في المهام بين الهيئتين لطالما أثار جدلاً في الأوساط الأكاديمية والقانونية حول حدود الاختصاص، مضيفاً: فبينما يُفترض أن يركّز الجهاز المركزي على الرقابة المحاسبية والمالية، تُعنى الهيئة بملفات التفتيش الإداري والتحقيقات، إلا أن الممارسة العملية تظهر خلطاً متكرراً يضعف الفعالية.

وأشار إلى أنه في حال إطلاق منصة إلكترونية لتلقي بلاغات الفساد والرشوة من المواطنين، يبرز سؤال أساسي: أي من الهيئتين ستكون المخولة بمعالجة الشكاوى؟ الخيار الأول إحالة البلاغات المالية للجهاز المركزي والبلاغات الإدارية للهيئة المركزية، والخيار الثاني: إنشاء وحدة مشتركة بين المؤسستين تعمل كجهاز استقبال وتحويل للبلاغات، ما يقلل التداخل المؤسسي ويعزز سرعة المعالجة.

وشرح الخبير إسماعيل الغطاء التشريعي والعقوبات حالياً يعاقب قانون العقوبات السوري رقم 148 لعام 1949 وتعديلاته على الرشوة والفساد بعقوبات تصل إلى السجن والغرامات، إلا أن غياب نصوص خاصة بحماية المبلّغين يمثل ثغرة قانونية خطيرة، وبالتالي فإن نجاح المنصة يتطلب إصدار مرسوم تشريعي خاص ينظم استقلالية المنصة عن ضغط المتنفذين وضمان حماية المبلّغ من أي تبعات إدارية أو قضائية، وتحديد جهة التحقيق بوضوح لمنع تضارب الصلاحيات.

 

تجارب دولية مقارنة

ولفت الخبير إسماعيل إلى أنه في المغرب أطلق الخط المباشر للتبليغ عن الفساد عام 2018 بإشراف النيابة العامة، وأسفر عن ضبط عشرات الحالات بالجرم المشهود، وفي تونس أنشئت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد مع بوابة إلكترونية للشكاوى، لكنها عانت من بطء في المعالجة بسبب تداخل الاختصاصات، وفي الهند خصصت خطاً ساخناً وتطبيقاً لمكافحة الرشوة (I Paid a Bribe)، لكنه تحول أحياناً إلى أداة للتشهير لغياب الضوابط، وهذه التجارب تشير إلى أن الشفافية وسرعة الاستجابة هما العاملان الحاسمان في نجاح المنصة.

ويشير الخبير إسماعيل إلى أن الإيجابيات تتمثل في تعزيز الشفافية والمساءلة، وتسهيل وصول المواطنين لجهات الرقابة، وتوثيق الأدلة بشكل إلكتروني يسهل التحقيق، أما السلبيات فهي خطر تسييس المنصة أو استخدامها للتشهير، وتضارب الاختصاص بين الجهاز المركزي والهيئة المركزية، وضعف الحماية القانونية للمبلّغين، ما قد يحد من ثقة الناس، وبالتالي المنصة الإلكترونية قد تكون خطوة مهمة لمكافحة الفساد، لكنها تحتاج إلى إصلاح تشريعي وهيكلي متزامن يحدد بوضوح جهة الاختصاص، ويضمن حماية المبلّغين، ويمنع ازدواجية المهام لتحقيق كامل الأهداف.

عوامل للفساد

خبير الإدارة الدكتور رامز مندو بين في لقاء لصحيفة الثورة أن هذه المنصة ضرورية للغاية، إذ إن الفساد الإداري له عوامل مساعدة في انتشاره، ولا يمكن القضاء على الفساد الإداري إلا بعد أن تتم معالجة هذه العوامل المساعدة له وأهمها البيروقراطية والإجراءات الإدارية المعقدة والبالية والتي هي منتشرة في معظم مؤسسات القطاع العام، إن المواطن إذا أراد أن يحصل على بيان أو مستند من أي مؤسسة فإنه يجد نفسه يغرق ويتوه أمام هذه الإجراءات الإدارية المعقدة البالية، فيضطر إلى الخضوع للفساد الإداري لكي يحصل على المستند أو البيان الذي يريده بأقصى سرعة ممكنة.

ولفت الدكتور مندو إلى أنه لا بد من تبسيط إجراءات العمل الإدارية اللازمة للحصول على أي مستند أو ورقة واختصارها لتكون ضمن مكان واحد وليس عدة أمكنه، ومهم التبسيط والبعد عن التعقيد، كما أن الدخل المنخفض للموظف، يجعله يضطر أحياناً إلى الخضوع للفساد الإداري، لذلك لا بد من إعادة النظر في دخل الموظف وزيادته، هذه الزيادة ممكن أن يتم تمويلها من خلال فرض رسوم جديدة أو زيادة الرسوم القديمة التي يتم دفعها من قبل الراغب في الحصول على هذه الخدمة، وللعلم إن غالبية المواطنين يدفعون مبالغ أكبر من هذه الرسوم تحت مسمى الإكرامية.

وأكد الدكتور مندو أنه لابد من تفعيل أكبر للرقابة الإدارية والتقييم الإداري الدوري، بحيث يكون هناك رقابه مستمرة تكشف الخلل والفساد في الوقت المناسب مع فرض العقوبة المناسبة وفقاً للنظام الإداري السائد، كذلك إن التقييم الدوري للأداء يساعد في معرفة مواطن القوة والضعف وفي تحديث وتطوير إجراءات العمل، مع صرف حوافز ومكافآت لكل موظف نشيط ونزيه ولديه بعض الأفكار التي تحسن من كفاءة العمل لتشجيع الجميع، وبلا شك يوجد موظفون إداريون يتصفون بالنزاهة والاستقامة، وهؤلاء يجب المحافظة عليهم والاستفادة من خبرتهم وجعلهم قدوة حسنة للجميع.

 

 

قناة آمنة

عميد كلية الزراعة بجامعة دمشق الدكتور أحمد الحاج لفت لنوعية خطوة إطلاق المنصة التي أعلنتها الحكومة السورية مؤخراً وهي منصة إلكترونية جديدة مخصصة لاستقبال الشكاوى والبلاغات المتعلقة بالفساد والرشاوى داخل المؤسسات الحكومية، وأهميتها في كونها تتيح للمواطن إدخال بيانات الموظف أو الجهة المخالفة بسهولة، ويمكن إرفاق الأدلة أو الوثائق الداعمة للبلاغ، وتُحوَّل الشكاوى مباشرة إلى الجهات الرقابية المختصة.

ولفت أن الضمانات تؤكد على التعامل مع البلاغات بسرية تامة لحماية المبلّغين والتحقق من صحة المعلومات قبل اتخاذ الإجراءات القانونية، والالتزام بالشفافية والجدية في المعالجة، والهدف تعزيز ثقافة المساءلة والمحاسبة، وتمكين المواطنين من المشاركة الفعّالة في الرقابة المجتمعية، والحد من انتشار الرشوة والفساد الإداري، وهذه الخطوة تُعد نقلة نوعية في آليات مكافحة الفساد، خاصة مع توفير قناة رقمية آمنة وسهلة الاستخدام، وهو ما قد يزيد من ثقة المواطنين بالخدمات الحكومية.

المهندس باسل حمود موظف بين أن الخطوة في مكانها الصحيح في وقت نحن فيه بأمس الحاجة لضبط المخالفات والرشاوي ومكافحة الفساد في مختلف الجهات العامة، كما أن هذه الخطوة تمثل نقلة نوعية في التحول الرقمي الحكومي، إذ تتيح للمواطنين إرسال بلاغاتهم بسهولة وسرية، مع إمكانية إرفاق الأدلة والوثائق اللازمة، مما يضمن التعامل الجدي مع كل شكوى ضمن الأطر القانونية، وهذا سيتيح فرصة لكل مواطن ينجز معاملات أو أعمال أخرى في الدوائر الحكومية أن يقدم شكواه عبر المنصة في حال تم استغلاله لدفع إكراميات لإنجاز المعاملة أو حدث خلل وتجاوز أثناء إنجاز مراحل المعاملات من قبل الموظفين بشكل ما أو بآخر.

تفاؤل

وعبر سمير العبد عن التفاؤل الذي يعلق على إطلاق هذه المنصة كونه مهماً للمواطن من جهة، والذي سيتمكن من إنجاز معاملاته بشروط وضوابط نظامية، فهذه المنصة ستكون رادعاً لكل من تسول له نفسه فرض إكراميات على المواطن لإنجاز المعاملات وكذلك من شأنها أن تحد كثيراً من الفساد والرشاوى والذي يسبب الكثير من الخراب والترهل الإداري في مؤسسات الدولة.

واليوم هذا الوضع بأمس الحاجة للضبط والمتابعة والمكافحة، وبالتالي يمكن أن تحقق هذه المنصة نتائج مهمة في هذا الموضوع الذي نعاني منه كثيراً سابقاً، لدرجة وصل بها الأمر إلى أن المواطن يضع في اعتباراته مزيداً من أعباء التكلفة المادية كإكراميات هنا وهناك لإتمام معاملته والوصول بها للشكل النهائي بعد مشقة كبيرة وأعباء مادية إضافية.

آخر الأخبار
الفوسفات تحت المجهر… توضيحات تحسم الجدل حول "يارا" تحسين الواقع الخدمي في ريف دمشق جامعة اللاذقية تطلق "وجهتك الأكاديمية" 10 ملايين دولار لتأهيل الطرقات في حلب يمنح الخريجين أملا أوسع إدراج معاهد حلب الصحية تحت " التعليم التقاني" الاستثمار الوطني .. خيار أكثر استدامة من المساعدات الشرع.. رؤية جديدة للعلاقات الدولية منصة إلكترونية.. هل يصبح المواطن شريكاً في مكافحة الفساد؟ بمشاركة سوريا.. اجتماع وزاري تحضيري للقمة العربية الإسلامية الطارئة بالدوحة انطلاق ملتقى "وجهتك الأكاديمية" في "ثقافي طرطوس" المنصة الإلكترونية.. تعزيز الرقابة المجتمعية في مكافحة الفساد لجنة بحجم "بلدية".. مشاريع خدمية متواصلة في كشكول "وجهتك الأكاديمية".. في جامعة حلب..مساعدة الطلاب لاختيار تخصصهم الجامعي الجفاف الشديد ينتشر في جميع أنحاء نصف الكرة الشمالي بين 3 و5 ملايين سنوياً.. أجور نقل الطلاب ترهق جيوب الأهالي "الغار الحلبي".. عبق التراث السوري اللجنة العليا تتوقع إجراء الانتخابات قبل نهاية أيلول الحالي تدهور شبكات الري وتكاليف المدخلات تحديات تواجه مزارعي الأتارب إدلب تعيد الحياة لقطاعها الصحي وزير الداخلية: التواصل المستمر مع الفعاليات المجتمعية لتعزيز الثقة